القائمة الرئيسية

الصفحات

متلازمة الفنان التائه ... و كيف تخرج منها ؟ ( 2/2 )


 عزيزى القارىء ها نحن نستكمل موضوع متلازمة الفنان التائه و الذى كنا قد بدأناه فى الجزء الاول و دعنى اسألك بماذا تشعر الان بعد أن عرفت تلك المعلومات السابق ذكرها ؟ 


اعتقد اننى اعرف ماهية مشاعرك الان, خصوصاً اذا كنت تعرفت على تلك المعلومات لاول مرة, فاغلب الظن ان لديك مشاعر مختلطة, و اعتقد ان مشاعرك هى الفرحة بمعرفة معلومات جديدة و الاثارة بما يمكنك ان تفعله بها لتساعدك اكثر على ان تتبين طريقك, كما انك على الارجح لديك احساس بالضيق لانك تبينت ان عليك الاختيار ما بين اساليب و ادوات و مواضيع كثيرة تحبها كلها و لا ترغب فى الاستغناء عن اياً منها, اليس كذلك ؟


تجربتى الشخصية


افهم هذا الشعور جيدا لاننى ايضاً مررت به, لذا اسمح لى ان اشاركك تجربتى الشخصية بهذا الشأن, فى بادىء الامر عندما عرفت هذة المعلومات و رغم انى كنت متاكد من صحتها فى قرارة نفسى الا انى شعرت فى البداية بقدر من المقاومة و الرفض لفكرة اختيار نوع واحد فقط من الفن و الاضطرار الى ترك بقية الافكار, و لكن بقليل من التفكر وجدت انى فى حالة تشتت منعتنى بالفعل من تقديم اى نمط من هذة الانماط التى تشغل تفكيرى, و من ثم ادركت بل و تقبلت انه من المنطقى بل لا  مناص من ان ابدأ بالاختيار 


كيف قمت باختياراتى ؟


و هكذا بدات اتخذ قرارات لرحلة لم اكن اعرف انها سوف تستمر لمدة عامين كاملين, و لكنى لم اكن اعرف ايضاً ان هذة الرحلة سوف يكون لها اكبر الاثر فى العثور على طريقى فى الفن و هو الامر الذى عندما انظر اليه الان اجده قد استحق اى مجهود بُذل فى سبيلة, كان هدفى الرئيسى هو اقامة معرض و كان ذلك هو الجزء الاول من خطة بسيطة كان الجزء الثانى و الاخير منها ان احاول بيع اعمالى من خلال المحلات التجارية ان لم استطع بيع اعمالى من خلال المعرض (و لكن لهذا الموضوع مقال آخر), فى ذلك الوقت كما اسلفت كنت احب الكثير من الانماط الفنية, لكن اكثر ما كنت احبه وقتها كان فن الكاريكاتير بورتريه, كنت اشاهد الكثير من اعمال كبار الفنانين و كم كنت مأخوذاً بهذا الفن بشكل كبير اكثر من غيره, لذا قررت ان ابدأ به و من هنا كان القرار الاول الذى حسمته هو " النمط ", ثم تلاه قرارى الثانى و هو " الموضوع " فبما انى احب مشاهدة الافلام لذا قررت ان يكون الممثلين هم ابطال اعمالى, الى جانب انى كنت دائماً ما ارى ان رسامين الكاريكاتير غالبا ما يتناولون نجوم الفن او الرياضة او السياسة فى اعمالهم و لكنى احببت ان اركز على نجوم التمثيل و الغناء, و حتى اصل الى قاعدة عريضة من المعجبين قررت ان انوع رسومى ما بين شخصيات عربية و اجنبية, و بقى اسلوب التنفيذ و هنا فكرت بانى ارغب فى اقامة معرضى فى اقرب وقت ممكن لذا سالت نفسى ماهى اسرع و اسهل خامة من حيث التعامل معها و فى نفس الوقت يمكن ان تعطينى نتيجة جذابة ؟ فوجدت ان الادوات التى تفى بكل هذة المتطلبات هى الالوان الخشبية و هكذا جاء قرارى الاخير بشان " التنفيذ " , بعد القليل ( او الكثير لا اتذكر ) من التردد بدأت العمل فى عام 2010 حتى انجزت عشرين لوحة كبيرة خلال عامين تقريبا و اقمت معرضى بالفعل فى سبتمبر من العام 2012 

صورة من معرضى الخاص بفن رسم الكاريكاتير بورتريه
صورة من معرضى الخاص بفن رسم الكاريكاتير بورتريه

المكافأة الحقيقية


ما حدث معى بعد هذة التجربة بفترة و بشكل تدريجى انى بدات ارى بوضوح اكثر أن ما كنت مفتوناً به منذ اكثر من عامين ليس هو ما اريده و بدات افكر فى ان فن الكاريكاتير يمثل بطبيعته حدود لما ارغب فى تقديمه كما و انه سوف يبعدنى عن التنوع فى تقديم مواضيع و عناصر اخرى كثيرة اتوق لتناولها, و من ناحية اخرى اصبحت اكثر ادراكاً بان فن الكاريكاتير مرتبط فى اذهان الناس بانه فن هزلى و تبعا لذلك سوف يرتبط اسمى كفنان بهذة الصفة و مرة اخرى تنبهت ان هذا ليس ما اريده, اذاً عدنا للسؤال الابدى العنيد " ماذا تريد ؟ " و لكن هذة المرة عدت اليه اكثر قوة و قدرة على اجابته, فبعكس ما لا اريده استطعت ان احدد ما اريده , فالمكافأة الحقيقية اذا اردنا صياغتها فى جملة واحدة لكانت " اصبحت متاكداً مما اريده " و يا لها من مكافأة


ماذا أريد ؟

" حسناً, انا اريد تقديم فن جاد و فخم و مبهر, قادر على تناول الكثير من العناصر بهدف اظهار جماليات و ثراء اكثر, فن يلحقنى بطابور طويل ملىء بالاساتذة المبدعين الذين انحنى لهم تاريخ الفن احتراماً "

اذاً انا الان امام اختيار اخر من ضمن اختياراتى السابقة الا و هو فن اللوحة الزيتية كما اصبح جلياً لى فيما يخص خامة التنفيذ, و بسهولة استطعت ان اتبين ان النمط او الاسلوب الذى ارغب باحترافه هو الاسلوب الاكاديمى (بالطبع الفن الاكاديمى مر بالعديد من التطورات و المدارس لذا فهذا الجانب به الكثير من التفاصيل), اما من حيث الموضوع فقد اخترت التعبير عن حقبة القدماء المصريين من خلال مشروعى الفنى "نفحة حياة" و لكن لهذة النقطة قصة اخرى لا يتسع المجال لسردها هنا, و الفرق الواضح الذى اختبرته انى اقف هذة المرة امام اٍختياراتى الجديدة بقدمين ثابتتين و بمنتهى القوة واثقاً اكثر من اى وقت مضى ان هذا هو الطريق الذى ارغب فى ان اسلكه, و السؤال الان " الم اكن استطيع ان اتبين ان هذا ما اريده بدون المرور بتجربة معرض الكاريكاتير ؟ " الاجابه هى بالقطع لا, بل ان تجربة المعرض و ما بذلته فيه من مجهود و وقت و مشاعر و تفكير و مال هى ما جعلتنى ادرك و بشدة اهمية كل هذة المصادر و انه لا يمكن بل يستحيل ان اهدرها بهذا الشكل مرة ثانية على افكار و اتجاهات مختلفة اظل اغيرها و اجربها الواحدة تلو الاخر 


خاتمة

البعض ينصح بانه عندما يكون لديك افكار كثيرة يجب ان تتعلم ان تقول لا لهذة الافكار و تركز على واحدة فقط حتى تنجزها و هذا لا يعنى ان "لا" هنا هى لا للابد و لكنها تعنى لا مؤقتاً و يمكنك ان تسجل هذة الافكار و تضعها على احد الرفوف حتى يحين الوقت الملائم لتنفيذها " و انا متاكد ان هذا المفهوم يلائم كثير من الفنانين الاخرين, اما ما حدث معى هو انى قتلت كل هذة الاختيارات التى كانت تزدحم بها رأسى الى غير رجعة, نعم قتلتهم جميعاً من اجل ان ينجو الاختيار الاهم, عندما ايقنت انهم سوف يُغرقوننى ان ابقيت عليهم, فتخليت عنهم دفعة واحدة نهائياً و بمنتهى الاقتناع و الرضا, و عندما فعلت ذلك امتلكت قوة تركيز كبيرة على الهدف لم اجربها من قبل بهذة الكثافة, كان شعور بالراحة كمن رجع الى بيته اخيراً بعد رحلة طويلة شاقة, تلك كانت تجربتى فى تحديد ما ارغب به حقاً و هذا هو ما اكتشفت انه يناسبنى, و اعتقد ايضاً انه كما ناسبنى قد يناسب فنانين آخرين فاختر ما يناسبك و لا تدع احد يخبرك كيف تفكر او ما يجب عليك فعله, خلاصة القول انه لكى تعرف ما يناسبك عليك بالتفكير و البحث عما تحبه اولا و لكن فى نقطة ما عليك باتخاذ خطوات فعليه و خوض التجربة حتى تتكشف لك الخطوة التالية , فبذل المجهود المتواصل الدؤب هو حجر الاساس الذى سوف يوصلك الى معرفة ذاتك الفنية بإستمرار و كلما احتجت الى ذلك خلال رحلتك الفنية و ليس الجلوس مفكرا و حسب فيما يجب عليك فعله

و فى النهاية اتمنى لك رحلة فنية ثرية و لا تنسى قراءة الجزء الاول من المقال من هنا
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات