القائمة الرئيسية

الصفحات



فى احد الايام عندما كنت طفلا صغيرا كنا فى انتظار عمى لزيارتنا و دق جرس الباب و بالفعل كان عمى واقفاً بالباب و لكن للاسف ليس كما توقعناه فى حالته الطبيعية, فقد كان مصاباُ و ينزف دماً من عدة اماكن فى جسده و خصوصاُ فى ساقه حيث كان بنطاله مقطوعاً

فنان برائحة الليمون


فى تلك الايام اعتاد ابى ان يشترى لى زجاجة عطر خمس خمسات الشهيرة برائحة الليمون و كلما فرغت زجاجة كان يشترى لى غيرها, و بمرور الوقت اصبحت زجاجة العطر هى مركز اهتمامى, فأنا دائما ما اضعها على الرف بشكل واضح و اقوم بتنظيفها من الاتربة يومياً, و دائما ما انظر اليها ذهاباً إياباً, و بالطبع عندما أتأهب للخروج من المنزل أهرع اليها لاضع منها بعض العطر قبل أن اخرج, و فى ذلك اليوم و بعد أن فتحنا الباب لعمى و هو بهذة الحالة و قد استولى علينا القلق أخبرنا انه سقط من على دراجته البخاريه و هو فى طريقه الينا مما تسبب له بهذة الاصابات, فأدخله ابى الى حجرتى حيث كانت هى الاقرب للباب و ذهبت أمى لتحضر بعض القطن و عندما عادت تناول أبى بسرعة زجاجة العطر خاصتى و بدأ يضع منها على القطن و يمسح على جروح عمى و الاخير يئن من الوجع, و انا أقف انظر الى المشهد بتأثر و قد نسى الجميع وجودى, فهتفت فجأة " كفاية ارجوكم كفاية " فالتفتوا اإلىّ ثم أخبرنى عمى بطريقة مطمئنة " ماتخافش يا حبيبى أنا بخير مفيش حاجة " فقلت له " لا أنا  قصدى كفاية احسن الازازة قربت تخلص " نظر ثلاثتهم الى بعضهم البعض غير مصدقين و أخذوا يضحكون

ابتسم يا فنان

و فاتت السنوات و لم تعد زجاجة العطر اهم شىء فى حياتى و تبدلت اهتماماتى بل و لمرات عديدة, و لكن دائما ما كان هناك شىء ما فى مركز اهتمامى, و هذا فى رأىّ ما يجب ان يكون عليه الحال عزيزى الفنان, و هو ان يكون هنالك شىء ما تلتف حوله احلامك و اهتماماتك, و بالطبع لا يوجد افضل من فنك ليكون هو ذلك الشىء, فحقيقة انا لا اتخيل كيف لشخص يطلق على نفسه لقب فنان او يحب ان يراه الناس كذلك و لا يكون الفن هو الجزء الاكبر الذى يشكل هويته, هل تسأل ما معنى ذلك ؟ معنى ذلك أن يقاتل ليلا نهاراً و بمنتهى الاصرار حتى يصل الى اهدافه الفنيه والتى و ضعها لنفسه, و ان يشغل الفن الجزء الاكبر من اهتمامه و وقته و مجهوده و يستحوذ على مشاعره غير عابىء بطول الطريق و بكل العقبات التى حتماً سيواجهها و بكل السخفاء من حوله و الذين سيخبرونه مراراً و تكراراً أن دعك من هذا الطريق و لا تُضيّع وقتك و سنين عمرك فى ما لا يُفيد, و دعنى اُنهى معك هذا المقال بفكرتين كانتا تستحوذان على تفكيرى بشأن الفن عندما كنت طالب فى مقتبل العمر إحداهما كانت صحيحة و هى ان من يقوم بفعل ما يُحبه خلال حياته فإن هذا من شأنه ان يخفف عليه اوجاع و احباطات الطريق و فى حالتى كان ما أُحبه هو الفن, اما الفكرة الاخرى فكنت مخطئاً بشأنها تماماً و هى أن الفن طريقاً لا تعب فيه و سوف أجنى ثماره بسرعة و بسهولة, فلا يوجد طريقاً سهلا ذو قيمة و لا يوجد شىء ذو قيمة طريقه سهلا, هذة هى قوانين الحياة, لست انا من وضعتها و لكنى فهمتها
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات