القائمة الرئيسية

الصفحات

ليلية بالأسود والذهبى – الصاروخ الساقط




عندما إلتحق الفنان الأمريكى جيمس أبوت ماكنيل ويسلر  ( 1834- 1903 ) وهو فى سن الواحدة والعشرين بمرسم الفنان تشارلز جليير بباريس .. رسخ فيه أستاذه قاعدتين ذهبيتين .. أولا أن الخط أهم من اللون .. وثانيا أن اللون الأسود هو أساس التوناليتى فى اللوحة ( الحالة اللونية التى تصنعها درجات اللون وتوزيعها فى اللوحة  ) ..  وقد ظل ويسلر مخلصا لهما طوال حياته حتى فى مراحله الأخيرة والتى كانت لوحاته فيها تكسوها حالة ضبابية وتنحو نحو التجريد .

 قضى ويسلر طفولته وشبابه متنقلا مع عائلته بين أوروبا وأمريكا .. قضى عامين فى  سانت  بيترسبرج بروسيا حيث التحق  فى سن الحادية عشر بالأكاديمية الملكية  للفنون لينمى قدراته فى الرسم .. ثم إنتقل مع عائلته إلى لندن فنمى قدراته فى التصوير بدراسة أساليب المصورين الكبار .. ثم عاد إلى أمريكا وفشل فى دراسته العسكرية  فى أكاديمية وست بوينت ليقرر وهو فى سن الواحد والعشرين أن يصبح فنانا محترفا فذهب إلى باريس ليدرس فى المدرسة الملكية  ( البوزار )  كما إلتحق بمرسم الفنان تشارلز جليير.

كان ويسلر منذ مراحلة الأولى يحاول محاكاة الإحساس الموسيقى فى أعماله  فبدأ تدريجيا يبتعد عن التفاصيل ويقلص من مجموعته اللونية وكانت أول لوحة تشير إلى هذا التوجه هى لوحة سيمفونبة من الأبيض والتى رسمها عام 1862 لعشيقته جوانا هيرفمان وهى ترتدى رداءا أبيض وخلفها ستارة بيضاء وتحت قدميها فروة دب قطبى .. وفى عام 1871 رسم صورة شخصية لأمه بباليتة  ألوان مونوكرومية  وأسماها " مقطوعة من الأسود والرمادى " وأصبحت هذه اللوحة واحدة من أهم اللوحات التى تعبر عن الهوية الأمريكية  وإشتهرت بإسم " أم ويسلر ".

لوحة أم ويسلر
لوحة أم ويسلر

 وعندما إقترح عليه أحد أصدقاؤه - فريدريك ليلاند - وكان موسيقيا هاويا مولع بموسيقى شوبان تسمية لوحة من لوحاته نوكتورن أو ليلية  راقت له التسمية وكتب إلى ليلاند يقول " لا أستطيع أن أعبر عن مدى إمتنانى بتسمية لوحة إنعكاس ضوء القمر نوكتورن .. أنت لن تتخيل مدى الإزعاج الذى سببته هذه التسمية للنقاد وبالتالى مدى المتعة لى .. علاوة على أنها تسمية شاعرية وتقول ما أريد أن أعبرعنه بلا زيادة ولا نقصان " .. وأصبح بعدها يطلق على أعماله أسماء موسيقية مثل السيمفونية  والسوناته  والهارمونية .. ولأنه وعى قدرة الكاميرا على إلتقاط  شكل الواقع بدقة وأمانة وتفوقها على الإنسان فى هذا المضمار.. وأن الفن له دور أعظم وأعمق من محاولة محاكاة الواقع .. فقد قال أن الفنان يجب أن يبحث فى العمق إلى ما يكمن  تحت الشكل الظاهرى من معانى وأحاسيس.

ملحوظة : يمكنك ان تلقى نظرة على اعمالى الفنية من هنا بهدف المشاهدة او الاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة منها

  رسم ويسلر لوحة ليلية بالأسود والذهبى - الصاروخ الساقط - حوالى عام  1875  وكان قد ترك أمريكا وإستقر فى لندن التى أصبحت وطنه الثانى .. وهى تنتمى إلى مجموعة من اللوحات أسماها ليليات .. والليلية أو النوكتورن صيغة موسيقية يعبر فيها المؤلف عن أحاسيسه وشجونه لليل.. وأشهرها  ليليات شوبان التى لا بد وأن تكون داعبت خيال ويسلر وهو يرسم  هذه المجموعة.

فى ليلة على نهر التيمز فى لندن العصر الفيكتورى .. فى حدائق كريمون  التى كانت فى زمنها من الأماكن الترفيهية  لأهل المدينة.. تضيئ  السماء الحالكة السواد إنفجارات صواريخ الألعاب النارية  فتتساقط  بقاياها فى عناقيد براقة تتناثر شظايا متلألأة مثل يراعات مضيئة بألوان فوسفورية ذهبية وحمراء وخضراء.

لوحة ليلية بالأسود والذهبى – الصاروخ الساقط
لوحة ليلية بالأسود والذهبى – الصاروخ الساقط

 نرى أثر تتابع الإنفجارات فى مساحات من السماء مضاءة بدرجات متفاوتة من السطوع ناتجة عن إنعكاس الضوء على الدخان والغبار الناتج عن هذا المهرجان الضوئى الباهر.

فى الثلت الأسفل من اللوحة نشعر بوجود خط شاطئ النهر المقابل حيث تجرى الأحداث بالرغم من أننا لا نراه.. وقد خلق ويسلر هذا الإحساس ببراعة منقطعة النظير فى التعبير بدرجات اللون الواحد عن الإنتقال إلى مسطح المياه  وإنعكاسات الضوء على سطحها.. وإذا إنتقلنا مع هذا الخط الوهمى الى المنتصف  نجد بؤرة إضاءة براقة لواحدة من هذه التركيبات الأرضية  للألعاب النارية تنفث غازا ودخانا مضيئا يتصاعد متلويا مكونا قمع فضى ضخم يعمل كنقطة جذب للعين وكلحن معاكس للعناقيد الساقطة .. أسفل اللوحة شريط من اللون الذهبى يمثل شاطئ النهرالقريب تنتصب عليه أشباحا لشخوص تتابع الأحداث الجارية على الشاطئ المقابل حيث حدائق كريمون.

كان ويسلر رساما بارعا بالألوان المائية  وقد إستعار من تقنياتها  فى الألوان الزيتية ما مكنه من خلق هذا الإحساس الضبابى .. فكان يعمل باللون فى حالة سيولة شديدة .. ويقف على مبعدة من اللوحة ليراها ككل .. ويضع الطبقات فوق بعضها وهى ما زالت طرية بضربات واثقة .. يضعها فى بقع شفافة أحيانا ليخلق تأثير طيفى .. ويمكن أن نرى هذا فى الشخوص المرسومة فى مقدمة اللوحة والتى تبدوا كما لو كانت مرسومة بالألوان المائية.

سببت هذه اللوحة أزمة عصفت بويسلر فقد هاجمها الناقد الفيكتورى الشهير جون راسكن بضراوة وقال فى وصفها بأن ويسلر ألقى بأصباغه فى وجه الجمهور مما حدا بويسلرإلى رفع دعوى رد شرف ولكنه خسرها وسبب له هذا أضرارا معنوية ومادية جمة.

اللوحة تخلو من التفاصيل فهى أميل إلى التجريد.. وهى بمقامها اللونى الداكن ونقاط الضوء التى نثرها فيها بحس مصور عبقرى لا تنقل لنا حدث وإنما تثير فينا أحاسيس ومشاعر الجو الذى يغلفه .. وهى كالموسيقى تتعدى الخصوص إلى العموم  فيتجاوب معها المتلقى  بإدراكه الحسى وليس بمنطقه الواعى ولذلك فهى تتعدى حدود الزمان والمكان.

بقلم الفنان / سمير فؤاد
الفنان / سمير فؤاد
الفنان / سمير فؤاد

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات