القائمة الرئيسية

الصفحات





دخل الى صحن الكنيسة بعينيه القويتين المتوهجتين و معه اثنين من اصدقائه و بدأ فى النظر إلى الاعمال الفنية المرسومة على جدران الكنيسة و اخذ فى انتقادها بشكل لاذع مؤكدا على الاخطاء و السقطات الفنية كما يراها من وجهة نظره, كان هذا هو بابلو بيكاسو الذى دخل الى الكنيسة لكى يرى اخر اعمال صديقة الفنان ماتيس, و كانت تتابعه إحدى الراهبات حتى اقتربت منه تستعطفه سائلة اياه لماذا تنتقد اعمال ماتيس بهذة القسوة ؟ و أكملت, هل تعلم انه عندما كان يهم احداً منا بأن يخبره برأيه فى أثناء العمل كان يرفض ذلك قائلا ليس هناك سوى اثنين فقط لهما الحق فى ابداء رأييهما فى عملى و هما بيكاسو و الرب, فرد عليها بيكاسو بغرور لا مثيل له قائلا : ألم يقل لكِ و لماذا الرب ؟

فنان و مغرور

قرأت تلك القصة منذ سنوات عديدة على صفحات مجلة نصف الدنيا و لا اعرف حتى مدى حقيقتها و لكنها اثارت لدى بعض الانفعالات و التساؤلات عن تيمة الفنان المغرور و لماذا يفعل ذلك ؟ بل و هل يحق له ذلك حتى و ان كان يملك القوة الفنية ؟

و لكى نستطيع ان نفهم دعونا نتابع كيف يبدأ الامر, فعندما يتعلق الأمر بالإبداع هناك فضيلتان يتم الإشادة بهما مرارًا وتكرارًا و هما الرؤية و العمل الجاد لتنفيذ تلك الرؤية

نُقل عن مايكل انجلو قولا مشهور و هو ( انا ارى الملاك قابع فى الرخام منحوتاً حتى اُطلق صراحه ), هذه هي نعمة ونقمة كل فنان, القدرة على إدراك ما يمكن أن يكون, فِهم و رؤية امكانية وجود مُخرج فنى ما ينتظر بداخل قطعة حجر او على قطعة قماش او على سطح ورقة او على شاشة تلفاز او عبر مكبر المذياع او على خشبة المسرح, أى رؤية ما لا يستطيع الاخرون رؤيته

و مرة اخرى بغض النظر عن الشكل الفنى الذى تمارسه فإن الرؤية عديمة الفائدة بدون الجهد المبذول لتنفيذها, كما يقول الرسام شاك كلوز (الالهام للهواة, البقية منا فقط يظهرون ويذهبون إلى العمل)  كما يردد ستيفن كينج هذا المبدأ في مذكراته عن مهنة الكتابة فيقول (الموهبة أرخص من ملح الطعام, ما يفصل الموهوب عن الناجح هو الكثير من العمل الشاق) و كنا قد تكلمنا بشىء من التفصيل عن هذا الموضوع فى مقال كيف ترسم بدون موهبة

و كل ما سبق هى اشياء معلومة و لكنى هنا لالقاء الضوء على الصفة الثالثة الاساسية لاى مسعى ابداعى و هى الغرور او الأنا Ego

تُعرِّف قواميس أكسفورد "الأنا" على أنها (إحساس الشخص باحترام الذات أو الأهمية الذاتية) و لقد أصبحت تُعرف بأنها كلمة سيئة نوع ما و تساوي الغطرسة والغرور لكن بالنسبة للفنانين قد يكون شىء ضروري, و قد وافق جورج أورويل على ذلك واستشهد بـ "الأنانية المطلقة" كأول دافع من دوافعه الأربعة الكبرى للكتابة يليها الحماس الجمالي و الدافع التاريخي و الغرض السياسي, يبدو انه اغفل العامل المادى

ملحوظة : يمكنك ان تلقى نظرة على اعمالى الفنية من هنا بهدف المشاهدة او الاقتناء, و يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة منها

و إذا كانت الرؤية والعمل سمتان رئيسيتان ضروريتان لصنع الفن فإن الأنا هي الغراء الذي يربطهما معًا, إنه جزء مهم من تحقيق تلك القفزة الأولية, بمعنى الإيمان بأنني جيد بما يكفي للقيام بذلك, يمكننا ان نفهم اكثر بالعودة إلى اقتباس مايكل أنجلو (انا ارى الملاك قابع فى الرخام منحوتاً حتى اُطلق صراحه) فهنا الأنا تدعم الفنان أثناء العمل الشاق (النحت) و يرى النتيجة من خلال تحقيق رؤيته النهائية ( تحرير الملاك من داخل قطعة الرخام ), فى الحقيقة اظن انه لا بأس أن تخدع نفسك بانك تستطيع الوصول لهدفك و خصوصا فى البداية إذا كنت فنان و تحاول أن تجعل العالم مكانًا أفضل وأكثر تشويقًا, وإذا كنت شخصًا مبدعًا فأنا أحثك على التمسك بتلك الانا مع الحفاظ على التوازن الصحيح, عزز رؤيتك، ثابر في عملك الجاد، ولا تخجل من الافتخار بما تفعله و تعلم كيفية تقدير فنك الخاص حتى لو لم يدعمك الآخرون دائمًا

الفنانون بحاجة إلى تلك الثقة الزائدة او سمه غرورا ان شئت, نحن بحاجة إلى الاعتقاد بأننا مميزون, نحن بحاجة إلى أن نؤمن بأنفسنا عندما لا يفعل ذلك أحد

و لعلك تفكر و تقول و لكن على الناحية الاخرى هناك اولئك الذين يفكرون بشدة في أنفسهم ولا يدركون أبدًا أنهم لا يرقون إلى مستوى الضجيج الذى يصدرونه بشأن اعمالهم, لقد قابلنا جميعا مثل هؤلاء الناس و انت تعرف عن اى شىء اتحدث, و هو فى الحقيقة سلوك يبغضه الكثيرين و لكن لا احد يصارح الُمتكلم, و هنا ياتى السؤالين المطروحان فى بداية المقال مرة اخرى, لماذا يفعل بعض الفنانين هذا و هل يحق لهم ذلك ؟ اعتقد بعد ان قطعنا ذلك الشوط من المقال يمكننا الان ان نجاوب على السؤال الاول بشكل اسهل و هو ان الفنان قد يكون شطح و تعدى مرحلة الثقة و الانا الى مرحلة الغرور سواء بوعى او بدون, أما اجابة السؤال الثانى, فأعتقد ان من حق كل انسان ان يشكل شخصيته كما يريد و لكن لا تنسى ان من حقك انت ايضا ان تقبل او ترفض سلوك معين و ان كنت اعلم ان الاجابة لدى البعض ليست بهذة البساطة

بقلم الفنان/ مروان جمال
الفنان مروان جمال
الفنان مروان جمال 



هل اعجبك الموضوع :

تعليقات