القائمة الرئيسية

الصفحات

 



عندما تقابل الفرنسى هنرى ماتيس ( 1869 – 1954 ) والأسبانى بابلو بيكاسو ( 1881 – 1973 ) 

فى باريس لأول مرة وجها لوجه فى ربيع 1906 بترتيب من مقتنية اللوحات الأمريكية الثرية "جيرترود شتاين" والتى كانت متحمسة لكل ما هو طليعى فى الفن الحديث.. .. كان ماتيس الذى يكبر بيكاسو بإثنى عشر عاما فنانا مرموقا ويعتبر أكثرالفنانين جموحا  فى مطلع القرن العشرين  كونه زعيم حركة الوحشيين الذين كانوا أكثر الحركات التقدمية فى الفن فى وقتها .. أما بيكاسو الذى كان معروفا فى بلده أسبانيا بالفنان ذو العبقرية المتوهجة منذ نعومة أظافره فلم يكن معروفا فى باريس إلا فى حدود ضيقة وإن كان قد بدأ يلفت الأنظار إليه.


لوحة مباهج الحياة للفنان هنرى ماتيس
لوحة مباهج الحياة للفنان هنرى ماتيس


منذ أوائل القرن كان ماتيس قد ألقى محاكاة الطبيعة جانبا وبدأ يعمل على تطوير أسلوب يعتمد على تبسيط الشكل وضربات الفرشاه الحره وإستعمال ألوان صارخة متناغمة أحيانا ومتنافرة أحيانا أخرى ولكنها بعيدة عن تمثيل الواقع .. ألوان وحشية متفجرة كأصابع الديناميت كما وصفها الفنان "أندريه ديران " .. وقد صبغ هذا الأسلوب توجه تبناه مع مجموعة كونها من الفنانين الذين أسماهم أحد النقاد "الوحشيين أو الوحوش البرية"  .. وأثار معرضهم فى صالون الخريف عام 1905 الكثير من الجدل. 


أما بيكاسو الذى كان فى رحلة بحث عن لغة بصرية جديدة فكان قد ترك وراءه مرحلته الزرقاء التراجيدية القاتمة وما زال يعيش أوج مرحلته الوردية المقبلة على الحياة .. يرسم بألوان وردية وبرتقالية مهرجى السيرك ولاعبى الإكروبات . 


لوحة عاهرات أفينون للفنان بابلو بيكاسو


لم يكن بيكاسو معجبا بفن ماتيس والعكس صحيح ولكن كل منهما كان يراقب عمل الآخر بفضول وحذر ..  كان ماتيس وبيكاسو طرفى نقيض .. فماتيس لم يكتشف الفن إلا متأخرا فى سن العشرين .. وهو لم يدرسه أكاديميا وإن كان إلتحق بعد ذلك بمرسم الفنان جوستاف مورو إلا أنه فى المجمل علم نفسه بالبحث والتجريب والمثابرة .. أما بيكاسو فقد تفجرت موهبته وهو طفل صغير ودرس قواعد فن التصوير على يد والده الذى كان فنانا أكاديميا وأستاذا فى كلية الفنون .. وفى سن السادسة عشر كان بيكاسو قد سيطر على قواعد التصوير ويرسم مثل فنان أكاديمى بارع .. وبالرغم من أنه إلتحق بأكاديمية الفنون فى برشلونه إلا أنه إنقطع عن دراسة إعتبر أنها لا تضيف إليه شيئا وقضى فترة الدراسة يجوب المتاحف.


ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة منها


كان مزاجهما الفنى أيضا مختلفا كليا .. كان ماتيس عقلانيا وعاطفيا .. مرتبط بالطبيعة ويرسم بحميمية الأشياء التى يحبها وتستثيره .. وكانت الموديل الحى تمثل جزءا مهما من أعماله خاصة هذه المجموعة المستوحاة من المحظية فى الحريم التركى والتى أسماها  "أوداليسك " .. وكان اللون عند ماتيس جزءا أساسيا فى لوحاته ويبنى لوحاته بمنطق تركيبى .. أما بيكاسو فكان متمردا ومندفعا .. غير مرتبط بالطبيعة وإنما يغوص داخل ذاته .. لم يرسم إلا نادرا من موديل حى وإنما كان يرسم ما يراه فى خياله .. لم يكن اللون عنده أساسيا وإن كان يستخدمه لدلالة تعبيرية .. وكان ييبنى لوحاته بمنطق التدمير والتفكيك وإعادة البناء.    


فى عام 1906 عرض ماتيس فى صالون المستقلين  لوحته الشهيرة " مباهج الحياة " والتى تمثل مجموعة من العراة فى وسط  منظر طبيعى .. مضجعون أو يتطارحون الغرام  أو يرقصون .. رسمها بألوان زاهية صفراء وزهرية وبرتقالية وخضراء .. وقد تمكن ماتيس من أن يصل من مجموعة مبعثرة من العناصر إلى عمل ذو وحدة هارمونية متآلفة .. شاهد بيكاسو " مباهج الحياة " وأدرك بفطنته أن ماتيس يقود الفن الطليعى فى باريس وعقد العزم على أن ينازله على هذا المنصب .. وفى العام التالى 1907 أنتهى بيكاسو من لوحته الصادمة الصارخة  " آنسات أفينون " أو إذا أردنا الدقة فى ترجمة الإسم فسيكون "عاهرات أفينون " .. وقد صورفيها خمس نساء فى ماخور بوجوه ممسوخة كالأقنعة وأجساد بخطوط هندسية حادة نازعا منهن كل ذرة من الأنوثه وكأنما يعلن بها ثورته على كل القيم القديمة .. وعندما شاهد اللوحة  " أمبرواز فولار"  تاجر اللوحات الشهير قال  " هذا عمل فنان أصابه الجنون". 


بعد هذه المقابلة تبادل بيكاسو وماتيس الزيارات وبدات الصداقة تنمو بينهما .. وتبادلا اللوحات والأراء ويمكننا الآن أن نرى كيف أثر فن كل منهما فى فن الآخر .. كانت علاقتهما علاقة حوار و تحفيز وتنافس وغيرة حتى أن ماتيس وصفها فى لحظة بأنها مثل مباراة فى الملاكمة .. ولكن فى الحقيقة كان كل منهما ينظر إلى فن الآخر بعناية و يحاول أن يستعيرما يستثيره من فن الآخر .. ويمكننا أن نرى هذا فى أول لوحتين تبادلاها فقد إختار بيكاسو لوحة رسمها ماتيس لوجه إبنته مرسومة بألوان نضرة وبأسلوب طفولى بسيط .. وإختار ماتيس لوحة تكعيبية لطبيعة صامتة لبيكاسو مرسومة بأسلوب خشن وألوان شحيحة .


يمكن أن نرى كيف أصبح اللون فى لوحات بيكاسو يأخذ أهمية وكيف بدأت اللمحة التكعيبية تظهر فى تكوينات ماتيس وتصبح ألوانه أقل ضجيجا .. وعندما بدأ ماتيس يرسم محظياته الشرقيات الناعمات رسم بيكاسو معاكسا ماتيس احيانا بلوحات خشنة ممسوخة وأحيانا أخرى بخطوط ناعمة وألوان حالمة .. وعندما أقعد المرض ماتيس وأصبح غير قادر على الرسم .. لجأ إلى تنفيذ لوحات من الورق الملون يقصها ويلصقها بأسلوب الكولاج الذى بدأه بيكاسو قبلها بعقود فى لوحاته التكعيبية.


عندما مات ماتيس توقف بيكاسو عن الرسم لمدة شهرين وقال لم يعد عندى أحد أتحدث إليه .. وبعدها قال ترك ماتيس لى إرث فى لوحات محظياته الشرقيات .. ثم بدأ يرسم سلسلة من لوحات المحظيات مستوحاة من لوحات " فتيات الجزائر" لديلاكروا ليستكمل بها إرث ماتيس .. وربما كانت لوحة "مباهج الحياة" فى خياله عندما قال " فى النهاية كل شيئ يعتمد على المرء نفسه.. على نيران مستعرة فى أحشائه تومض بآلاف الأضواء .. ولهذا فإن ماتيس هو ماتيس .. فلديه شمس متقدة فى أحشائه ".


لخص بيكاسو علاقته بماتيس فى آخر مراحل عمره بقوله " يجب أن تتخيل جنبا إلى جنب كل ما أنتجته أنا و ماتيس فى مرحلة معينه .. لم ينظر فنان بعناية إلى ما يفعله ماتيس أكثر منى .. ولم ينظر فنان آخر إلى أعمالى  بعناية أكثر من ماتيس " .


بقلم الفنان / سمير فؤاد

الفنان / سمير فؤاد
الفنان / سمير فؤاد


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات