إستحالة تصورالموت لعقل شخص حى

فى حوض زجاجى ضخم مكون من ثلاثة أجزاء مملوء بمحلول الفورمالدهايد تطفو سمكة قرش عملاقة فاغرة فاها مبدية أسنان مدببة كصف من السكاكين ... عند رؤية هذا العمل يتأرجح شعور المشاهد بين قوة الطرد الناشئة عن شعور الخوف الذى يتولد عن المواجهة المباشرة مع فك مفترس ومنطق العقل الذى يقول أن هذه مجرد جثة محفوظة فى حوض زجاجى .. هذا العمل هو أشهر عمل على الإطلاق للفنان البريطانى داميان هيرست المولود عام 1965 والذى أطلق عليه " إستحالة تصورالموت لعقل شخص حى" .. وهو من سلسلة أعمال "التاريخ الطبيعى" التى بدأها عام 1990 ووضعته فى طليعة الفنانين المعاصرين .. وهى أعمال مكونة من حيوانات محنطة محصورة فى فراغ حوض زجاجى ضخم .., وفراغ العمل مكشوف للمشاهد ليتفحص ما فيه ولكنه فى ذات الوقت معزول عنه بالحائط الزجاجى السميك .. ويبدو تأثر هيرست فى مفهوم هذه الأعمال بالفنان البريطانى الأشهر فرانسيس بيكون (1909 -1992 ) والذى كان يحصر شخوصه فى أقفاص من الخطوط.

يعتبر داميين هيرست أشهر وأغنى الفنانين البريطانيين .. كما أنه أكثرهم إثارة للجدل فهو فنان تشكيلى ومخرج أفلام وكاتب .. وهو رجل أعمال من الطراز الأول يسوّق لفكرة أن الفن هو أعظم فرص الإستثمارالمالى .. كما يستعمل جميع جوانب التسويق بمهارة عالية فهو يعشق الظهور ودائم التحدث فى وسائل الإعلام ويعشق الفرقعات الإعلامية وقد تم إتهامه بسرقة أفكار الآخرين وكادت تصل هذه الإتهامات إلى القضاء إلا أنه تصالح فيها بدفع تعويضات خارج المحكمة إلا أنه إستفاد من هذا إعلاميا.

أسماء معارضه وأعماله منتقاة بحيث تحدث زخما إعلاميا.. وكمثال لهذا فقد كتب فى 1997 وهوفى سن الثانية والثلاثين كتابا عن حياته الشخصية وفنه !!!!.. وأسماه " أريد أن أقضى المتبقى من حياتى فى كل مكان .. مع الجميع .. واحد لواحد .. دائما .. إلى الأبد ".

جذب داميان هيرست الأنظار إليه مبكرا فى أثناء فترة دراسته للفن فى كلية جولد سميث بمدينة لييدز والتى تخرج منها عام 1989 بمعرضه الأول " صقيع " والذى أقامه عام 1988... بعدها نفذ السلسلة التى أطلق عليها " النقاط " وفيها يبدو ولعه بالهيكل التنظيمى الهندسى للوحة والتى إكتسبها من دراسته وولعه بفن الكولاج.. فكل لوحة مكونة من مصفوفة من النقاط المتساوية المقياس كما أن المسافة بين كل نقطة والأخرى تساوى قطر النقطة بالضبط .. إلا أن كل نقطة قد تم تلوينها بلون مختلف ويقول " لقد كنت أحاول الوصول إلى هيكل تنظيمى يمكننى من وضع اللون الذى أريده بدون أن يتحكم هذا الهيكل فى حريتى" .. وقد تم إختيار ألوان النقاط طبقا لمنهجية محددة فهى تكون ثنائيات لونية أحيانا أومتضادات لونية أحيانا أخرى وهكذا.. وتحدث اللوحات إستثارة بصرية مثل تلك التى تنتمى إلى نوعية "الأوب أرت".

فى عام 1993 عرض هيرست فى بينالى فينسيا عمل " الأم والطفل منفصلين " وهو تكملة سلسلة التاريخ الطبيعى إلا أن الإختلاف هنا فى أن جسد الحيوان وهو فى هذه الحالة بقرة وعجل صغير قد تم شطرهما طوليا فى المنتصف تماما بحيث ترى الأجهزة الداخلية للحيوان كما لو كانت صورة إرشادية فى كتاب تشريح.. ثم تم وضع كل نصف من الحيوان فى حوض منفصل .. ثم تم وضع الحوضين لكل من نصفى البقرة متقابلين بحيث يمكن للمشاهد المرور بينهما كأنه يمر فى رحلة داخل الحيوان.. وقد وضع حوضى الأم وحوضى العجل فى نفس الغرفة وبينهما مسافة عدة أمتار.. ويلعب هيرست فى عنوان العمل على المعنى اللفظى... فالأم والطفل فى الإنجليزية تعنى أيضا العذراء والطفل – المسيح- كما أن لفظة منفصلين فى اللغة قد تعنى متباعدين كمسافة أو مقسومين إلى جزئين .

يطور هيرست الفراشات فى مجموعة أعمال كرمز للجمال والرهافة والرقة فيستعملها فى لوحات مركبة تستعمل أجنحة الفراشات المحنطة كوحدات لتنفيذ لوحات بالغة الجمال وبالغة الضخامة والتعقيد فى بعض الأحيان وهو يستعيد فى بعض هذه اللوحات تصميمات الزجاج المعشق للكنائسِ.

فى عام 2007 حصد هيرست الرقم القياسى لأغلى عمل فنى لفنان على قيد الحياة عن عمله المسمى" أغنية المهد .. الربيع " وهى عبارة عن فترينة عرضها ثلاثة أمتار بها 6136 حبة دواء وقد إقتناها مقابل 19 مليون دولار أمير دولة قطر.. وستصبح قطر لاحقا الراعى الرسمى لمعرض هيرست الإستيعادى الضخم فى متحف التيت مودرن بالعاصمة البريطانية.