القائمة الرئيسية

الصفحات

 

ذكريات المغامرة الأمريكية : "البدايات" الحلقة التانية


ملحوظة قبل ان تبدأ يمكنك قراءة الحلقة الاولى من هنا و من ثم يمكنك العودة للمتابعة


من اكتر الناس اللي وقفوا جنبي في خطواتي الاولي في امريكا .. صاحب محل براويز في البلد اللي كنت قاعد فيها.. "سكوتش بلينز" Scotch Plains .. في نيوچيرسي. راجل في الستينات من عمره.. ضخم القامة و ظريف.. بدقن بيضاء.. بشخصية رايقة كده.. زي "بابا نويل" او "سانتا كلوز" زي ما بيسموه في امريكا.. اسمه "بارتون باري" Barton Barry او "بارت" زي ما كان معروف..


شعار شركة ديزنى ايمجينرينج
شعار شركة ديزنى ايمجينرينج


بارت .. لعب في حياتي .. و لمدة اول تلات سنين في امريكا.. دور الاب اللي كنت مفتقده جدا.. وغالبا حا يشغل مساحة تليق بجمايله عليا في النسخة المفصله.. انما اللي ممكن اقوله هنا اني مدين له بوضعي علي الطريق الصحيح من الاول خالص..


بارت كان يهودي.. و ده كان اول احتكاك مباشر ليا مع اليهود الامريكان… والغريب انه عمره ما اتعامل معايا بدافع مادي او سياسي.. فقط بشكل انساني و اخلاقي.. و طبعا كان لنا مناقشات في القضية الفلسطينية و معاملة اسرائيل للعرب.. و كان - وده اللي قربني منه جدا - حاسس بظلم بني جنسه للفلسطينيين و رافض تماما سياسات الصهيونية العنصرية و التوسعية.


و دي كانت بالنسبة لي مفاجأة.. لاننا دايما متعودين نخلط بين اليهودية و الصهيونية.. و كانت فكرة ان ممكن يكون فيه يهودي مش صهيوني في حد ذاتها .. اكتشاف ! حا يبقي لنا كلام في الموضوع ده .. بعدين. خلينا في سياق القصة الاصلية.. مش كدة ؟ 


الكلام ده كان في يناير ١٩٩٠ في اواخر الشهر..كنت ابتديت اعمل شوية شغل مع إدارة المنتجات الاستهلاكية بتاعة ديزني في نيويورك.. شغل بصراحة لا يحوق و لا يلوق .. دمه تقيل و فلوسه شحيحة.. انما آهي نواية تسند زير ! و جالي تليفون من صديق مصري عايش في "بروكلين" واحدة من ضواحي نيويورك الخمسة  و طلب يقابلني.. و كنت اشتغلت معاه علي حاجات صغيرة بشكل متقطع خلال السنتين اللي فاتوا.. فركبت الدبابة المصدية بتاعتي ( عربية امريكاني خرده .. بليموث داستر.. موديل سنة نوح كدة.. كنت اشتريتها ب ٥٠٠ دولار.. بعد ما دمرت عربيتين ياباني في حوادث التلج .. عشان بس ما يبقاش موت و خراب ديار ! ) و روحت له.. و قال لي صاحبي .. اللي كان له علاقات بالقنصلية المصرية.. انه كان فيه فكرة عاوزين يعرضوها لبناء جناح مصري .. في عالم ديزني في فلوريدا.. و انهم عاوزيني اصممه.


فسألته اذا كنا حا نشتغل مع ديزني .. فقال انها فكرة مبدئية.. حا تتعرض علي ديزني من المستشار الثقافي بتاعنا.. فقلت له اني عمري ما روحت عالم ديزني و لا اي مدينة ملاهي من بتوع ديزني.. فرد انه ممكن يوضب زيارة لنا في أورلاندو.. بفلوريدا.. Orlando, Florida حيث عالم ديزني المكون من مجموعة مدن ملاهي… و فعلا سافرنا.. و زورت عالم ديزني لاول مرة.. بعد سنين من الحلم !


ايه مستوي الجمال و التصميم ده ؟ مستوي راقي من الابداع.. و العناية باصغر التفاصيل.. مع تناغم تام للالوان و الخطوط.. و المحافظة علي مضمون الحكايات.. كأني دخلت برجلايا جوه افلام الرسوم المتحركة اللي كنت باعشقها… حاجة تهبل بصراحة… و زورنا كمان "ايپكوت سنتر" Epcot Center و هي مدينة بتوصف عالم الغد.. و فيها  حوالين بحيرة كبيرة  اجنحة مخصصة لبعض دول العالم عشان تعطي فكرة عن تنوع الحضارات الانسانية.. منها جناح عظيم للمغرب !

ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة عالية الجودة منها


حسيت طبعا بالغيرة.. بعد ما فوقت من الانبهار..! طبعا لازم يبقي فيه جناح مصري ! إنما فهمت فورا ان ده مش شغل شخص واحد.. ده شغل فريق جبار.. مكون من تخصصات كتيرة.. وصعب جدا .. بل من المستحيل .. ان فنان واحد يقدر يعمله لوحده… خصوصا بقي لو حا يعمله "لله و للوطن" زي ما كانوا الناس بتوع القنصلية عاوزين ..!

و سألت.. فعرفت ان كل الشغل ده بيتعمل في مكاتب كجزء من الشركة إسمه "والت ديزني إيماچينيرنج" Walt Disney Imagineering في لوس انجلوس و انهم بيشرفوا علي كل التنفيذ… و كنت سمعت عنهم .. انما ما كانش عندي فكرة هم بيعملوا ايه بالظبط.. انما دلوقتي فهمت..!

و دلوقتي كمان عرفت مكاني فين بالظبط.. عرفت الهدف ! طبعا.. موضوع الجناح المصري اتبخر تماما.. لانهم افتكروا اني باتعزز و باصطاد في المية العكرة لما طلبت اني أكوّن فريق عشان نحاول نعمل الشغل… و قوبلت بخلطة غريبة من الجهل و التخوين و التكبر .. نفس الخلطة اللي كل واحد فينا بيقابلها علي مستويات الشغل المختلفة في مصر.. "ولاد الحرام ما خلّوش لولاد الحلال حاجة !"

و رجعت نيوچيرسي.. و عندي من ناحية احباط شديد و خيبة امل في اولاد بلدي.. و من ناحية احساس ان الشمس لاحت .. و قرب طلوعها من بين غيوم الامطار.. هناك.. في الأفق ! 


كده بقينا في اوائل مارس.. و كان صديق من مصر.. بيشتغل في "وول ستريت" Wall Street و مستقر بقي له سنين في حي راقي من ولاية "كونكتيكت" علي بعد نص ساعة سواقة من نيويورك.. بيفرش الفيلا بتاعته.. فطلب مني .. حيث اني فنان بقي.. اني اعمل له براويز لشوية اعمال كلاسيكية مطبوعة علي توال )قماش( كان جايبها من رحلته الاخيرة في باريس.. فأخدتها منه و اديتها ل "بارت" مع تفاصيل البراويز.. عشان يبان عليها "العز".. فقال لي تعالي استلمها كمان اسبوع.. و كان يوم خميس… و بعد عطلة آخر الاسبوع.. كنت باعمل شوية مشاوير .. يوم الاتنين بعد الظهر.. و قولت  حيث اني محسوك يعني.. و اعز التفاصيل  اعدي علي بارت و انا مروح.. و اطّمّن انه بينفذ البراويز زي ما انا طالبها.. فركنت الدبابة مطرح ما لاقيت ركنة.. علي بعد ٢٠ متر من المحل.. و دخلت عنده.. و فعلا كان الشغل مظبوط الا من تفصيلة صغيرة لحقتها.. و اتدورت عشان امشي… و سمعت بارت بيقول : "بالمناسبة…!" فاتدورت له.. فكمل : " مستر "وايزر" صاحب وكالة العمارات اللي قصادي.. جابلك دي.. " و طلع من الدرج اللي قصاده قصاصة جرنال متطبقة اتنين… كان بقي تقليد في "سكوتش بلينز".. ان اي حد يلاقي اعلان عن طلب لفنان.. يقصه و يديه ل بارت عشان عارفين اني باعدي عليه في الرايحة و الجاية.. طبعا اغلب الاوقات كانت بتبقي شغلانات عبيطة.. زي "مطلوب فنان يلون وشوش الاطفال في حفل عيد ميلاد.. او مطلوب فنان يزوق واجهة محل خردوات عشان الاعياد.." و الذي منه…فاخدت الورقة من بارت و انا نص ممتعض.. و حطيتها في جيبي… انما الابتسامة اللي كانت علي وشه اثارت فضولي.. و اول ما خرجت من الباب طلعت الورقة و فتحتها…


 "اعلان: تعلن شركة "والت ديزني ايماچينيرنج" عن قيامها بمجموعة لقائات شخصية.. لاختيار مصممين جدد بالشركة. يومي الثلاثاء و الاربعاء ١٣ و ١٤ مارس ١٩٩٠ .. وذلك من التاسعة صباحا حتي الخامسة مساء في فندق "المارك" في منهاتن.. ( وشعار الشركة : ميكي في ملابس الساحر الصغير ) "

هو ده.. هو ده القطر بتاعي.. هو ده اللي كنت مستنيه ! بس النهارده الاتنين.. بعد الظهر.. يعني الميعاد بكرة الصبح.. و انا مش جاهز.. حالبس ايه..؟ حاخد معايا ايه ؟ حاقول لهم ايه ؟ طب ده تلاقي مئات من الناس حا تروح.. إزاي حا أواجه كل ده ؟ مئات الأسئلة بتدور في دماغي..


نسيت العربية.. ومشيت في الشارع.. عنيّه في الارض بافكر.. و بعد نص ساعة.. رجعت اخدتها و روحت البيت.. و انا تقريبا كده.. عارف حاعمل ايه بالظبط…


المرة دي بقي : يا قاتل .. يا مقتول !


لو إستمتعت بقراءة هذة الحلقة يمكنك متابعة الحلقة الثالثة من هنا 


بقلم الفنان الراحل / هانى المصرى

الفنان الراحل / هانى المصرى
الفنان الراحل / هانى المصرى


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات