القائمة الرئيسية

الصفحات

سنوات كلية الفنون الجميلة جـ 12

 

الجزء الثانى عشر ... الشرخ 


سنوات كلية الفنون الجميلة جـ 12


ملحوظة : يمكنك قراءة الجزء الاول من هنا 


 عرفنا متحف الفن المصرى الحديث من اولى تصوير، كان فى فيلا متواضعة فى ميدان فينى فى الدقى ، “حزنت بعد ان علمت بمكانه فقد كنت فى اعدادى فنون اسكن فى ميدان سليمان جوهر على بعد ربما 200 متر من المتحف ولم أعرف” ، ترددنا عليه ولكن ليس كثيرا ، فقد كان اقرب للمخزن ، وتعرفنا على احد امناء المتحف وكان خريج حديث من كلية فنون والذى كان متيما بالفنان العظيم حامد ندا ، فكان يساعدنا فى معرفة اماكن لوحات الفنانين المهمين ، ودخلنا معه بدروم المتحف حيث المخزن ، وشاهدنا لوحات لفنانين مصريين عظام غير معروضه فهى تحتاج الى ترميم ، وعرفنا انا وحاتم وسعيد كامل مجموعة هامة جدا من فنانى الرعيل الأول ، والأهم فنانى الرعيل الثانى والثالث الذين اصبح لهم رؤية وتواصل مع الفن المعاصر وبعضهم ارتباطه بفنون البيئة واختلاف رؤياهم عن القديم ، اهمهم من وجهة نظرى هو الراحل عبدالهادى الجزار ، والذى عشقت اعماله من اول ماتعرفت عليها فى المتحف ، يحمل كل الصفات التى تجعله فى الصف الأول من فنانى مصر المعاصرين ، تمكن تكنيكى وعالم خاص ومقدرة على التعبير وعالمية الرؤيا والأسلوب مع ارتباط شديد جدا بأرضه وعالمه الحقيقى



 اؤمن ايمانا راسخا شديدا ان عبدالهادى الجزار ومعه حامد ندا لو كانوا فنانين اوروبين لكانت كتبهم ولوحاتهم ملئ السمع والأبصار فى كل مكان ، عرفنا رمسيس يونان ، المثقف الحائر العظيم ، الفنان السيريالى التجريدى الطليعى فينسب له فى كتب الفن المصرى انه اول فنان سريالى مصرى ، محمود سعيد صاحب الأسلوب الخاص جدا المحير فلا هو كلاسيكى اكاديمى ولا هو تأثيرى كأغلب الرعيل الأول ولا هو سريالى ولاميتافيزيقى ولا اى شئ من كل هؤلاء ، حالة خاصة ، لم اربط بين اعماله وأعمال مدرسة الآرت ديكو إلا منذ بضع سنوات قليلة “حتى وإن كان هو شخصيا لم يعرفها ولم يقصد” ، فإذا شاهدت اعمال الفنانة تمارا دى لامبيكا ، وهى من المصورين القلائل فى مدرسة الآرت ديكو ، المدرسة الهندسية والزخرفية والمعمارية ، وتأملت بعض لوحات محمود سعيد ستشعر “بروح مدرسة الآرت ديكو فى بعضها ، كان يدرس فى اوروبا اثناء ظهور وانتشار الآرت ديكو فهل تأثر بها ام هو شخصية مميزة وحده الله اعلم ، وزادت معرفتنا بهم مع محاضرات يعقوب وصبحى الشارونى فى قصر ثقافة قصر النيل بكل هؤلاء مع شرح علمى جميل ، ومنهم من لم اعجب به الى اليوم.



ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة عالية الجودة منها



لا اتذكر هل نحن من اقترح ام هو الفنان محمد اباظة مدير قصر ثقافة قصر النيل هو من اقترح ان نقيم معرض لنا كدفعة نشيطه ولها اهتمامات وطموح ، وكانت فكرة ملهمة وممتازة ، وبدأنا الأتفاق مع باقى زملاء الدفعة ، واتفقنا على منتصف شهر مارس 1977 ، وسأل الأستاذ محمد اباظة اى اسم سنختار عنوان للمعرض ، فكرنا كثيرا ، حتى اخترت انا اسم معرض جماعة 79 على اساس اننا سنتخرج فى هذا العام ، وهذا اسم استشرافى للمستقبل ، وارتبط الإسم بنا كدفعة ومجموعة الى اليوم ، لاقى الإسم استحسان الفنان محمد أباظة والجميع ، وكنت جاهز باول سيلف بورترية لى لعرضه فى المعرض وشارك الكثير من دفعتنا واسماؤهم مذكورة فى كرت الدعوة الملحق بالبوست ، وعرضنا الفكرة ونحن فرحون بها على اساتذتنا فى الكلية ، وفوجئنا برفض لها بل وتعنت ضدها ، ورفضوا ان يحضروا حتى للمجاملة ، واقمنا المعرض الأول لجماعة 79 فعلا فى 14 مارس 1977 واشترك فيه 20 طالب من تصوير وطالب واحد من جرافيك وهو حاتم الشربينى ، سعدنا بالمعرض جدا وكان دافع نفسى ايجابى لنا جميعا ، لكنه ترك حالة من حالات الضيق والتحفز عند اساتذة القسم ولم نعرف السبب .



ولا اتذكر ايضا هل هذا الحدث الفاصل فى حياتى داخل كلية فنون جميلة ، واكيد حياتى بشكل عام ، قد حدث قبل المعرض او بعده لكنى ارجح انه قبل المعرض ، كنا ننفذ مشروعين معا ، موديل وطبيعة صامته مع نبات ، والمشروعين على كرتون ناصيبيان 70 فى 100 الوان زيتية ، وانجزت المشروعين بمستوى ممتاز فلازلت اتذكره “عفوا والله ليس غرور فأنا ناقد عنيف لنفسى” ، كنت بدأت اطبق النظرية التأثيرية فى شغلى ، اللمسات الطازجة والبعد قليلا عن الألوان الكلاسيكية ، الطبيعة الصامته كانت قدر من النحاس الأحمر متوسط الحجم به زرعة لها زهرة حمراء وليست ورده ، مع قماش فى الخلفية وربما عناصر اخرى لكن هذه هى العناصر الرئيسية ، اما لوحة الموديل فكانت فتاه صغيرة ربما 14 عاما ابنة زوجة راضى الفراش بنت منطقة شعبية بجلباب كستور وايشارب ، وبجانبها نفس القطعة النحاسية وورق الشجر والزهرة ، كنت اشعر برضا وسعادة لإحساسى اننى اسير للأمام فى فهمى وتطبيقى للفن بخطى واثقة وسريعة ، وكانت اللوحتان تنال رضا كل من يراهم ، وحتى طلبة البكالوريوس وغيرهم ، وكما ذكرت من قبل فقد كنت لا أغادر الاتيليه الا اخر واحد تقريبا ، كنت منهمك فى الرسم فدخل على الأستاذ (ش.م) !!!!!!، لم اكن اسمع عنه او اعرفه قبل هذا العام ، فدخل على يثنى على العملين ويمدح فيهم بشدة ، ثم بدأ قليلا قليلا يفرض على طريقة مختلفة فى الرسم والتلوين ، شعرت بقبضة فى قلبى كيف تثنى على اللوحات بقوة ثم تطلب منى ان اغير طريقتى ، سكت وترددت ، ثم استأذنته بأدب ان اكمل كما انا وفى كل الأحوال اللوحتين قاربتا على الإنتهاء ، ولأطبق مايطلبه منى فى المشروع التالى ، نظر الى نظرة غضب يعرفها كل من يعرف هذا الـ (ش.م) ، رحمه الله ، وتركنى وخرج ، وبعد يومين اتى فى نفس الموعد تقريبا ، متحفزا لى بشده ولا اعرف لماذا ، نظر لأعمال زملائى ولا اتذكر هل اعطى توجيهات ام لا ، ثم اتى ناحيتى مسرعا وانا اتوقع انه سيجد اننى قد قاربت على الإنتهاء بشكل جيد لايحتاج الى تعديل ، نظر الى اللوحتين بعيون كلها غضب ، ثم صوب ذات العينين الغاضبة لى ، وقال بصوت عال فيه كل التحدى والإحساس بالسيطرة : “ انت برضو ركبت دماغك ومعملتش الى قولتلك عليه ؟ طيب ابقى دور بقى على درجاتك “ وانطلق وهو يشر غضب، وانا اتعجب ,  الموضوع ليس ابدا عند ، الموضوع هو حقى ان اكمل مابدأته، فأنا منذ ان دخلت الى الكلية والى هذا اليوم ودرجاتى دائما امتياز وامتياز مرتفع ومن اهم المميزين فى الدفعة ، فبالتأكيد اسير على خطوات صحيحة يرضى عنها حتى اساتذتى من يقيمونى منذ التحقت بالكلية.




وفى ثانى يوم ، كنت وحدى عصرا فى الأتيليه ، اجلس بعيدا عن الحامل ولوحاتى بجوار الحائط مائلا بالكرسى للخلف بزاوية واجلس عليه مسترخيا ، سمعت حوار بين اثنين يدخلان الأتيليه ، وسمعتهم يقيموا المشاريع بشكل ودى بينهم فلم يكن تحكيم انما متابعة ، حتى رأيتهم ، الأستاذ الصديق زكريا الزينى والأستاذ ممدوح عمار رحمهم الله ، وكان ايضا هذا العام اول مره اعرف الأستاذ ممدوح عمار ، لم اهتم واستمريت فى جلوسى ولم يلحظونى ، حتى لمح الأستاذ ممدوح مشروعاتى من بعيد قليلا ، فسمعت الحوار الآتى بينهم ، الأستاذ ممدوح يسأل الأستاذ زكريا الزينى ماهذه المشاريع هل هو طالب فى سنة 2 ولا بكالوريوس وينجز عمله هنا ؟ رد عليه الأستاذ ركريا “مشكورا” قائلا : لا هذا الطالب هو فلان ، شاطر جدا ومثقف وفاهم بيعمل ايه كويس اعرفه من وهو فى اولى ، وكانا قد وقفا امام لوحاتى ويتحدثا ، فأكمل الاستاذ زكريا الثناء علىّ وعلى شغلى واكد على كلامه الأستاذ ممدوح وقال له هذا مستوى طالب فى بكالوريوس ومتفوق ايضا فكان شديد الإعجاب باللوحتين ، ثم اكملا مشاهدة باقى الاعمال وانا تعمدت اكثر الا يرونى ، فقد خجلت من الثناء واحسست بالرضا الغير عادى والسعادة ، فالأستاذ ممدوح كان اما رئيس القسم او استاذ الماده وقتها لست متذكرا ، وثناؤه دون ان يعرفنى اعطانى دفعة مذهلة فى عملى ، وشعرت بالإمتنان لثناء الأستاذ زكريا على شغلى وشخصى ، وذهبت الى حجرتى بيتى ونمت قرير العين ، ونسيت مافعله فيه هذا الـ (ش.م)، واطمأننت وارتاح بالى والحمد لله.



وكان يوم التحكيم ، ولله الحمد نسيت قلقى واطمأننت ان الأمور تسير بشكل طبيعى ومنطقى وكما كانت فى السنوات والمشاريع السابقة، وانتهى التحكيم وذهبت استلم اللوحتين ، فكانت الدرجات للوحتين كل واحده 64 من مائه ، اهتزت الأرض تحتى كالزلزال ، لم اصدق عينى ، هناك شئ خطأ ، اكيد قرأت خطأ ، تركت اللوحتين وجلست على كرسى واسند ذراعى ورأسى على ظهر كرسى اخر التقط انفاسى ، وانا لا اصدق ، وبعد برهة من الوقت ، نظرت الى اللوحتين مرة اخرى وتأكدت من الدرجات ، فكان قرارى ، فتحت دولاب ادواتى ، ولملمت كل مالى فى الدولاب ، وادواتى وكل شئ يخصنى فى الكلية ، وحملته وتركت دولابى مفتوح بلا قفل ، وحملت كل شئ ، وانا لا ارى امامى من الصدمة ولا التفت ولا انظر يمينا او يسارا كأننى منوم ، وخرجت من باب كلية فنون جميلة ، شارع محمد ثاقب يسارا فى طريقى الى المعدية ثم غرفتى ، لألم اشيائى واسافر الى الإسماعيلية بلا عوده ، فقد كان قرارى الا اعود ابدا لكلية فنون ، لا انسى هذا اليوم ابدا ، كنت منهزماً مكسور حلمى فى مكان كنت اراه هو اجمل مافى الدنيا...


ملحوظة : يمكنك قراءة الجزء الثالث عشر من هنا


بقلم الفنان / احمد زيدان 

و الان عزيزى القارىء بعد ان وصلت لنهاية المقال إسمح لى ان اطلب منك فضلاً و ليس امراً أن تدعمنى بفعل بسيط جدا لن يكلّفك شيئاً و لكنه سيساعدنى على الاستمرار فى تقديم هذا المحتوى و هو أن تضغط على احد الاعلانات الموجودة فى هذا الموقع 




 الفنان / احمد زيدان 



هل اعجبك الموضوع :

تعليقات