القائمة الرئيسية

الصفحات

فنان بيفكر بالمصرى فى فرنسا



عن التفكير بالمصري…!
في سنة ١٩٧٥.. كنت لسة خريج جديد..
و كنت عملت شغل مسرح كتير في الكلية.. مع مخرج شاب لسه راجع من فرنسا من بعثة تعليمية.. اسمه سمير العصفوري..!
و كنا كسبنا جوايز كتيرة علي مستوي الجامعات.. و اتعرفت كويس علي طريقة تفكير سمير.. و بقينا اصدقاء..
فلما طلب مني اني اشتغل علي مسرحية "ايزيس" (توفيق الحكيم ) للمسرح القومي.. وافقت فورا.. و كانت من امتع فترات الشغل في المسرح…!

فنان بيفكر بالمصرى فى فرنسا

و من ضمن المسرحية.. كان فيه قطعة عرض سينمائي..
٦ دقايق.. Flash back مع نفس الممثلين.. سميحة ايوب .. و عبدالله غيث.. و حا يتعرض في خلفية المسرح…
فعلشان ما يبقاش الفيلم بعيد عن روح المسرحية.. اللي كان ليها طابع مصري قديم بحس ريفي.. و يبقي له نفس ال Look قررت انه يتعرض علي شاشة من الكيب (او الحصير الخشن المصنوع من عيدان البردي.. اللي كانت بتتعمل بيه العشش زمان في راس البر و اللي لسه بيستعمله الفلاحين لما بيعملوا خص في الغيط..) و ده يدي الفيلم كله ملمس و كأنه مرسوم علي ورق بردي قديم..!
المهم.. عملنا الشاشة الضخمة.. و سافرنا بيها فرنسا عشان العرض..

و بعدين.. لما ركبنا الديكور في المسرح العظيم اللي كنا حا نعرض عليه في مدينة "ريمز" في شرق فرنسا.. و عرضنا الفيلم عشان نجرب.. عجبتنا النتيجة جدا.. انما كان فيه حاجة لسة مضايقاني..!
الفيلم كانت صورته.. زي اي فيلم.. محددة بوضوح.. مستطيل حوافه مسطرة.. انما.. لأن الفكرة انه flash back كنت عاوز حوافه تبقي مش حادة.. و يبقي كانه سحابة علي الخلفية الخشنة اياها..
طبعا .. ده قبل الكمبيوترات و الشغل الرقمي.. يعني الكلام ده كان يكلف كتير جدا عشان يتعمل علي فيلم ٣٥ مم .. سليولويد.. اللي بعضكم ما يوعاش عليه !
و طبعا.. كانت ميزانية المسرحية ما تسمحش…!
و لما اتكلمت في الموضوع ده مع سمير.. بص لي و كأني فقدت عقلي تماما.. لاننا كمان كنا علي بعد ايام من العرض.. و مافيش وقت لاي تعديلات من النوع ده..!
و قال لي: "و بعدين في شغل فنون جميلة ده بقي..؟ انسي الموضوع ده تماما..!!"

ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا بهدف المشاهدة او الاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة منها

انما انا ما نسيتش.. و قعدت طول الليل اتقلب في السرير في المدينة الجامعية اللي كانوا منزلينها فينا.. و لما عرفت انام .. قعدت احلم احلام غريبة..و كوابيس.. اتذكر منها ان مدرس الطبيعة بتاع ثانوي.. الاستاذ شوقي.. بيشاور عليا.. و الفصل كله ميت من الضحك..!
و صحيت من النوم.. و انا عارف بالظبط حاعمل ايه…!

و اول ما وصلت المسرح.. روحت للمسؤل الفرنساوي عن تشغيل ماكينة العرض في المسرح.. چان كلود.. و شرحت له اللي انا عاوزه.. فبص لي و كأني باكسر اشارة مرور .. او باسرق بنك.. يعني نظرة فيها تهكم.. علي ازدراء.. علي قرف.. من نوع ما يعرفش يعمله الا الفرانساويين ..!
انما.. طلع و حط البكرة في الماكينة.. و لمع زجاج الشباك الصغير.. اللي فاصل بين حجرة العرض .. و قاعة المسرح الرهيبة.. فوق خالص .. فوق تاني بلكون..!
و نور آله العرض..قبل ما يشغل الفيلم.. و انطلق الشعاع.. عبر الزجاج.. لغاية الشاشة في خلفية المسرح.. مستطيل ابيض .. حاد ..و نضيف !
و الزجاج اللي قدام الآلة.. عليه بقعة نور هلامية.. قبل ما الأشعة تواصل طريقها للشاشة..
فابتسمت.. لان النظرية.. "ان لما البقعة تبقي هلامية هنا.. توصل حادة للشاشة..! فلما تبقي حادة علي الزجاج.. توصل للشاشة : هلامية !!! و هو المطلوب اثباته !"
و اتناولت شريط لاصق اسود عريض.. و ابتديت الزقه علي الزجاج.. و اعمل برواز مستطيل محدد.. جوه بقعة الضوء الهلامية .. و انا باصص للشاشة.. عشان ما آكلش كتير من صورة الفيلم..
و طفا چان كلود الماكينة.. و ركب الفيلم.. و استنيت حضور سمير العصفوري..
و علي الساعة عشرة.. وصل سمير مع سميحية ايوب ..و باقي الكاست.. و لما لقي القاعة مضلمة .. سأل.. فقالوا له ان "هاني بيجرب حاجة عشان عرض الفيلم.. و في نفس الوقت.. وصل چان كلود اشارة علي جهاز الاسلكي بتاع الاتصال بين العمال في المسرح ان المخرج وصل.. فطلبت منه يشغل الفيلم..
و ظهرت الصورة علي الشاشة زي ما انا عاوزها .. بالظبط..!
و رن التليفون الداخلي في حجرة البرچيكتور.. فرفعت السماعة.. و قولت : "ايوة.. مين ؟" فعرف سمير صوتي.. و قال كلمة واحدة: "يابن المجنونة..!"

و اعتبرها اجمل كلمة ثناء سمعتها علي شغلي ..!
انما اللي خلاني مليان سعادة و حا فرقع من الفخر.. كان تعليق چان كلود.. لانه بص لي بابتسامة احترام و قال :"لغاية دلوقتي.. انا ما كنتش مصدق ان المصريين بتوع النهاردة.. اولاد الناس اللي بنت الهرم.. انما طريقة التفكير دي.. البساطة و فهم الأشياء.. و استخدام القوة الذاتية للمشكلة.. في حلها..!! واضح ان دمهم لسه بيجري في عروقكم.. Chapeau ..! "
و ابتديت من ساعتها افكر .. و فهمت ان فيه حاجة اسمها "التفكير بالمصري"..
و حا يبقي لنا كلام كتير عن ده.. في حلقة جاية !
مساء الورد !

بقلم الفنان الراحل / هانى المصرى
الفنان الراحل / هانى المصرى
الفنان الراحل / هانى المصرى


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات