القائمة الرئيسية

الصفحات

 



صدمني بشدة هذا العمل للفنانة الشابة ساره أيمن حين رأيته لأول وهلة هذا الصباح في بوست لدى الصديق العزيز الفنان والناقد الكبير ياسر سلطان، ورأيت كثير من التعليقات بعضها مع وبعضها ضد وبعضها من ممارسين فن وفنانين وغير فنانين، رُحت أقرأ ردود الأفعال والتعليقات واكتشفت أني أفعل ذلك حتى آخذ وقتاً للسيطرة على مشاعري من الصدمة..


العمل الفنى للفنانة سارة ايمن
العمل الفنى المثير للجدل للفنانة سارة ايمن


ثم ذهبت أبحث عن صاحبة العمل، فتاة شابة مصممة جرافيك ورسامة ديجيتال، ثم وجدت نصاً عن عملها المعروض هنا، ووجدت عيناي وقد اغرورقت بالدموع وأنا أقرأ مقدمة ساره عن هذا العمل، تقول ساره:


    إذا كنت "أنا" السبب في التحرش، فلماذا من بين صديقاتي اللاتي يرتدين ملابس قصيرة أو لا يرتدين الحجاب أتعرض للمضايقات أكثر؟

   - لماذا أشعر دائمًا بعيون تتفحصني كما لو كنت أسير عارية؟ لماذا يحتوي هاتفي وحساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي على أطنان من الرسائل التي تحتوي على مواد إباحية أو جنسية من غرباء؟

   - لماذا أخاف من السير وحدي في الشارع وأخاف أيضًا من ركوب وسائل النقل العام؟

  - لماذا يقوم شخص غريب بالبصق علي في طريقي إلى المدرسة بلا سبب؟

   - هل أنا أيضًا السبب الذي يجعل شخص يشتمني بصوت عالي في الشارع كطريقة للتحرش؟ أو لتعرضي للمضايقات حتى وأنا أسير بجانب والديّ؟

   - في أي وقت أنام سهوا في وسائل النقل العامة يمكن أن أستيقظ فجأة مذعورة لأن أحدهم كان يلمس قدمي!

   - هل لمس طفل ذو 11 عامًا لثديي في الشارع شئ مضحك؟ هل من العدل أن أشعر دائمًا بالخوف من سماع صوت أى دراجة نارية لأن السائق يمكن أن يضربني أو يصدمني كطريقة للتحرش والمعاكسة؟

   - منذ متى أصبح من الطبيعي أن يستمني أحدهم وهو يسير ورائي في الشارع؟ ولماذا يجب أن أخجل ولا أتحدث عن كل هذه المواقف التي أواجهها كل يوم رغم أنها تحدث أمام العديد من المارة؟


صورة اقرب من عمل سارة ايمن
صورة اقرب من عمل سارة ايمن


إننا لسنا بصدد عمل فني تقليدي، حتى على مستوى التصنيف الاصطلاحي الذي ينتمي إليه جنس هذا العمل وهو ما يسمى بالمفاهيمية، فهو أيضاً صادم، وهو ليس بجديد فقد سبق ساره في هذا الاتجاه أعمال أخرى

من يريد أن يستزيد معرفة عن (المدرسة المفاهيمية في الفن) فالأسهل البحث عنها على جوجل وأدعو من لا يعرف عن الدادية والمفاهيمية أن يبحث عن (نافورة أو مبولة مارسيل دو شامب)، وأنا في الحقيقة لا أعرض هذه العمل هنا من أجل الدفاع عن المفاهيمية كمذهب فني أو حتى من أجل الدفاع عن سارة الفنانة الشابة التي أحسدها على جرأتها وأثني عليها وأدعوها للمزيد من الجرأة مع مزيد من الاختزال والتجريد، فنحن حين نتعرض لمثل تلك القضايا الضخمة في مجتمعاتنا إنما نواجه كثير من المشكلات التي يطول سردها، وانا شخصياً أتعرض لكثير منها هنا بين الحين والآخر فيما أكتبه وأعرضه للحوار.


ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة منها


إنما أعرض هذا العمل من واقع حزن شديد يملأني ورغبة في المشاركة في مواجهة تلك الجريمة القذرة التي التصقت بشعب عريق من أجمل شعوب الأرض (جريمة التحرش الجنسي واللفظي)، شعب ذو حضارة حقيقية ضاربة في عمق التاريخ، إن الفن إذا لم يعبر عن مشكلات المجتمع ويواجهها فلا قيمة له، وإن الفنان ليس دوره تجميل البيوت بلوحات فيها زهور وأشجار، كل إنسان حر طبعاً فيما يفعل، لكن دعوني أقول أن الفن في مصر قد تراجع وتخلف حين أصبح الفنان مجرد منسق ألوان "يرص" الألوان بجوار بعضها كوزير امتهن الفن وذات يوم خرج على شاشة التليفزيون في رمضان حيث أعلى نسبة مشاهدة جماهيرية في التسعينيات بصحبة مذيع شاعر، ورسم لوحة في أقل من دقيقة (لا فكر ولا موضوع ولا حتى استدعاء حالة استلهام أو شحذ أو تفاعل ولا اتركوني قليلاً) هذا فقط مثال عما جرى من تسفيه لقضايا الفن وتحويل العمل الفني إلى قطعة ديكور، أخضر وأصفر تصلح فوق كنبة أورانج، وقد صاحب ذلك نوع من الكتابات المُدلسة، النقد هنا ليس فقط للدقيقة التي استغرقها تنفيذ هذا الشيء الذي أشرت إليه والذي سمي حينها عملاً فنياً بالخطأ، فقد يقضي شخص آخر ساعات طوال يرسم باقات زهور لأن شخصاً ما سيأخذها يضعها فوق الكوميدينو، أو آخر يرسم فتيات في ملابس مزركشة بحُلي وأساور وخلفهم أهرامات ونيل وأبو الهول... إلخ ثم يحدثنا عن الأصالة والمعاصرة وكلام لا يثمن ولا يؤثر في المجتمع بأي شيء.


إن جريمة التحرش الجنسي تحتاج إلى شحذ كل المجتمع المصري بكافة عناصره وفئاته ومقوماته للقضاء على تلك الظاهرة البشعة المقيتة المُهينة لكل المجتمع ولكل الإنسانية، وإن من يقبل بهذه الأفعال ولا يساهم في القضاء عليها إنما يشارك فيها بشكل أو بآخر مع الأسف الشديد، وإن من يتصدى لها من شابات وشباب واعد من أمثال ساره أيمن إنما هن وهم أبطال ومبدعون يكافحون ضد القبح والدونية والتردي والتخلف.


ليس من حق أي "ذكر" أن يمد يده على جسد امرأة مصرية في الشارع أو في وسيلة نقل أو في أي مكان، وليس من حقه أن يعتدي عليها باللفظ أو بأي فعل مهين مهما كان ولا حتى بالنظر لها بما لا يرضيها.


وإن الدولة المصرية ممثلة في كل مسئوليها وموظفيها وسياسييها مدعوون لمواجهة هذه الجريمة البشعة ، وفي مقدمة هؤلاء السيدة وزيرة ثقافة مصر فلديها العديد من النوافذ التي يمكنها مواجهة تلك الجريمة.. ومن هنا أدعو الصديق الفنان د. خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية بتبني هذه القضية كتيمة في مسابقة صالون الشباب السنوي القادم.


بقلم / محمود منيسى

محمود منيسى
محمود منيسى


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات