القائمة الرئيسية

الصفحات

 


فى عام 1936 كانت الفنانة السويسرية ميريت أوبينهايم ( 1913- 1985 ) فى الثالثة والعشرين من عمرها عندما واتتها فكرة عملها الأشهر " الغذاء بالفرو " الذى جعلها بين ليلة وضحاها من فنانى الحركة السيريالية المرموقين .. فأثناء تناول القهوة فى مقهى فى باريس مع بابلو بيكاسو وعشيقته فى ذلك الوقت دورا مار أبدى بيكاسو ملاحظة ماكرة عن حلق مغطى بالفرو كانت أوبينهايم ترتديه فقال إن كثير من الأشياء تصبح أكثر جاذبية عندما يتم تغطيتها بالفرو ثم قرر " أى شيئ يمكن تغطيته بالفرو " وأدركت أوبينهايم أن بيكاسو يغازلها فردت " حتى الفنجان والطبق ؟ ".

الغذاء بالفرو



كانت أوبينهايم شخصية قوية ومتحدية وأنثى جميلة ذات جمال آسر حتى أن الفنان والمصور الفوتوغرافى الشهير مان راى فتن بها وأطلق عليها لقب " ملهمة السيريالية " وإستعملها كموديل فى مجموعة من أشهر أعماله تظهر فتنتها الأنثوية وشخصيتها الجاذبة وتأثيرها الطاغى عليه .. وقد شقت طريقها فى مجتمع ذكورى ولهذا فقد إستمرأت لقب " الفنانة الأنثى " .. ولخصت شعورها حيال هذا فى كلمتها عام 1975 عند حصولها على جائزة بازل للفن فقالت " المتوقع من الفنانين (الذكور) أن يمارسوا حياتهم بالأسلوب الذى يأتى على هواهم ويغضّ المجتمع البصر عن هذا .. ولكن إذا كان الأمر يتعلق بأنثى فإن العيون تنخلع من محاجرها ".


الفنانة ميريت أوبينهايم


ولدت ميريت أوبينهايم فى برلين ثم انتقلت إلى سويسرا للعيش مع أسرة والدتها بعد إندلاع الحرب العالمية الأولى وهناك نشأت فى جو مغمور بالفن والفنانين فتشبعت بحب الفن .. وفى سن الخامسة عشر بدأ تقرأ كتابات كارل يونج عن علم النفس وتأثرت بمنهجيته فى التحليل وحفزها هذا على تسجيل أحلامها وتحليلها كما أثرت أعمال الفنان السويسرى بول كلى على مفهومها الفنى فى هذه المرحلة.

إنتقلت أوبينهايم إلى باريس فى ثلاثينات القرن الماضى لدراسة فن التصوير .. وعندما شاهد أعمالها الفنانان فرانز أرب وألبيرتو جياكوميتى شجعاها على الإنضمام لمجموعة السيرياليين فتعرفت على أندريه بريتون زعيم ومنظر مجموعة السيرياليين .. ومن خلال المجموعة تعرفت على ماكس إرنست ومارسيل دوشامب وفرانسيس بيكابيا وقد كان للتوجه المفاهيمى لهؤلاء الفنانين تأثيرا كبيرا على توجهها الفنى.

ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة عالية الجودة منها

فى عملها " الغذاء بالفرو " تقتفى أثر مارسيل دوشامب فى عمله الشهير عام 1917عندما أخذ مبولة وقلبها رأسا على عقب وأطلق على العمل " النافورة " .. فهى هنا مثله تتناول شيئ مصنع على نطاق تجارى للإستخدام اليومى وتنزع عنه هذه الصفة وتحوله إلى قطعة من الفن السيريالى .. فتأخذ ثلاث قطع .. فنجان وطبق من البورسلين وملعقة معدنية وتغطيهم بفرو غزال .. بهذا الفعل تتغير صفة القطع فالفرو يكسر حدة الزوايا الحادة ويغير من طبيعة الملمس السطحى ويوحى بالدفء الذى ينتج عن الإكتساء بالفرو .. ونتيجة لهذا التحول تشى القطع بعلاقات عضوية إيروتيكية حميمة .. فالفنجان بتجويفه المكسو بالفرو يتخذ صفة الأنثى والملعقة المكسوة بالفرو تتخذ فى المقابل صفة الذكر .. وكذلك نتيجة لتغيطها بالفرو فقد أصبحت هذه القطع غير صالحة للإستعمال فى الغرض الذى صنعت من أجله .. أو لو إفترضنا جدلا محاولة إستعمالها فسيكون هذا فعلا يتسم بعدم الإرتياح أو حتى الإشمئزاز على نقيض الفعل الأصلى لشرب القهوة أو الشاى عند الطبقة البورجوازية فى وقتها والذى كان طقسا إجتماعيا يؤدى بغرض المتعة والإسترخاء.


لم تطلق أوبينهايم على عملها أى إسم وكان أندريه بريتون هو من أطلق عليه هذا الإسم لأنه يستدعى إلى الأذهان رائعة مانيه " الغذاء على العشب " والذى كان يسخر فيها من قيم الطبقة البورجوازية التى تتشدق بالفضيلة جهارا وتمارس الرذيلة سرا .. فالعمل يحمل فى ثناياه التهكم على فعل تناول الشاى عند الطبقة البورجوازية بما يصاحبه من طقوس ومجاملات وأحاديث سطحية .. كما يتهكم على الإكتساء بالفراء كمظهر من مظاهر الثراء والمكانة الإجتماعية.


فى نفس العام بعد " الغذاء بالفرو " أنجزت أوبنهايم عملها الشهير الثانى " مربيتى " وعلى عادة السيرياليين تعطيه هذا العنوان الذى يزيد الموقف غموضا فنحن لا نعلم من مشاهدة العمل من هى هذه المربية وما هى قصتها وما هى العلاقة بين مربيتها وبين هذه التركيبه المثيرة من زوج الأحذية النسائية .. وربما كان العمل من بنات تداعيات خيالات عن حذاء كانت ترتديه هذه المربية التى لا نعلم عنها شيئا.

مربيتى


العمل عبارة عن زوج من الأحذية النسائية ملتصقة جنبا إلى جنب موضوعا على صينية من الفضة من التى تستخدم فى تقديم الطعام بحيث يكون باطن الأحذية والكعبين إلى أعلى.. وتم إحكام هذه الوضعية بخيط من الدوبارة من التى تستخدم فى ربط اللحوم عند طهيها فى الفرن.. وإمعانا فى الإيهام فتم تزيين الكعبين بتلك النوعية من التيجان الورق التى يزين بها الدجاج المطهو عند تقديمه فى الولائم... شكل زوج الأحذية ووضعيتهما والعلاقات الشكلية والخطية التى تتكون من النعلين والكعبين تستثير فكرة الغواية الأنثوية وربما أيضا كإسقاط بورنوجرافى يستدعى صور نساء الكارت بوستال التى كانت شائعة فى هذا الوقت... وفى المقابل فإن الإيحاء بعملية طهو الطعام وتقديمة تحيلنا إلى الوجه الآخر للأنثى المنوط بها أداء الأعمال المنزلية كربة للمنزل أو طاهية بالأجر.... هذه الإزدواجية وإستعمال عناصر مصنّعة فى بناء العمل والذى يسحب عنصر التقنية من الفنان وكذلك الصدمة التى يحدثها وجود الشيئ فى غير مكانه المتوقع هى ما جعلت هذا العمل مثير للرائى بصريا ومفاهيميا.


فى حياتها الفنية الطويلة لم تنجز أوبينهايم أى عمل يماثل هذين العملين فى النضج والعمق وقوة التأثير .. وبالرغم من أنها كانت مصوره فى الأساس الا أن إنتاجها من اللوحات لم يكن ليعطيها هذه الشهرة التى حققها لها " الغذاء بالفرو " .. فبعد عرض العمل فى متحف الفن الحديث فى نيويورك عام 1936 .. تم إستغلاله بعد ذلك على نطاق واسع فى وسائل الإعلام بحيث إرتبط إسمها بهذا العمل وإمتد هذا التأثير حتى اليوم .. وكانت هذه الشهرة وبالا على حياتها الفنيه فأصيبت بالعقم الفنى بعد هذا وكافحت فى معظم مراحل حياتها لكى تعيد صياغة منتجها الفنى .. وبالرغم من أن أوبينهايم كانت ترفض تقسيم الفن إلى ذكورى وأنثوى إلا أن حياتها وأعمالها ألهمت جيل من الفنانات الشابات اللائى أنشأن بعد ذلك فى الستينات ما عرف بحركة الفن النسوى والذى كان يناهض التفرقة بين الفنانين على أساس الجنس.


عند تسلمها جائزة تقديرية عن أعمالها من مدينة بازل عام 1975 قالت " إننى أعتقد أنه من واجب المرأة أن تعبر من خلال الحياة التى تعيشها عن رفضها للتابوهات التى كبلت بنات جنسها لآلاف السنين .. لن يعطيكِ أحد حريتك .. يجب أن تنتزعيها .

بقلم الفنان / سمير فؤاد
الفنان / سمير فؤاد


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات