القائمة الرئيسية

الصفحات

لعب الأطفال و الفن التشكيلى

 

فى سنين الطفولة مثل أطفال كل مكان وزمان كنت مغرما باللعب .. وكانت اللعب الأثيرة لدى لها علاقة مباشرة بما أشاهده ويستثير مشاعرى .. عربات الإطفاء ذات اللون الأحمر القانى وجنودها ببزاتهم الزرقاء وخوذاتهم النحاسية وصوت الجرس النحاسى بصليله المستمر .. عربات نقل الجنود النصف مجنزرة التى كانت تمر أمام نافذة المنزل محدثة صريرا طويلا على الأسفلت .. أما المكان الأثير فكان لوابور الزلط بهيكله المدملك وعجلته الأمامية الإسطوانية الضخمة والحدافة الدائرية الجانبية والمدخنة الطويلة التى تبصق دخانا أسود .. كما كنت مغرما بالأسلحة خاصةً الخوذه النحاسيه المتوجه بالريش الأحمر والدروع البراقه والتوجا الحمراء والسيف الرومانى .. وكان هذا من تأثير الأفلام التاريخية عن العصر الرومانى التى كنت أشاهدها من نافذة المنزل فى السينما الصيفية المجاورة والتى كانت أفلامها وأفيشاتها من المؤثرات البصرية الهامة فى نشأتى.


من اعمال الفنان الأمريكى جيف كوونز
من اعمال الفنان الأمريكى جيف كوونز



ولكن أكثر هذه الألعاب إقتصرت علاقتى بها على رؤيتها فى نوافذ محلات ألعاب الأطفال فلم أتلق فى طفولتى ألعاب بالكثرة التى تمتع بها بعض أصدقائى الموسرين فلم يكن فى قاموسنا حفلات عيد الميلاد .. وكان التقليد الوحيد الذى إتبعه والدى فى يوم عيد ميلادى هو إصطحابى إلى ستوديو تصوير مواجه للمنزل على الناحية الأخرى من الميدان لأخذ صورة تذكارية .. وقد حافظ والدى على هذا التقليد حتى بلغت سن الثانية عشر فتركنى بعدها أذهب بمفردى فداومت لثلاثة سنين ثم توقفت .. وكان نتيجة هذا مجموعة من الصور تسجل تطور ملامحى من سن الواحدة حتى الخامسة عشر .. ولكنى من حين لآخر علاوة على الصورة الفوتوغرافية حصلت على بعض الألعاب التى كنت ألح فى طلبها فحصلت مرة على عربة إطفاء ومرة أخرى على دبابة أو عربة مصفحة لا أذكر.. ومرات عديدة على المكعبات الخشبية التى تكون صورا أو عليها حروفا تكون منها كلمات.


كنت دائما أمل من اللعبة بعد فترة فأقوم بتفكيكها لمعرفة ما بداخلها وكيف تعمل وخاصة ذلك الزمبرك اللولبى العجيب الذى يجعلها تتحرك عبر مجموعة من التروس .. وكنت أحاول تجميعها مرة ثانية إلا أن الفشل كان يحالفنى وتحولت كل ألعابى بطريقة ممنهجة إلى قطع من الصفيح التى كان مصيرها صفيحة المخلفات .. ولهذه الأسباب بدأت أصنع الألعاب الخاصة بى .. أول ما أذكره هو هذه العربات التى كنت أجمعها من بكر الخياطه الذى كانت تعطيه لى جارة طيبة يهودية عجوز إسمها بيرتا كانت تعمل حائكه للملابس.. ثم تحولت إلى زعف النخيل الذى كنت أحصل عليه من نخلة وحيده بحديقة المنزل .. صنعت القوس والسهم مثل الهنود الحمر وروبن هود والسيوف والرماح مثل أيفانهو .. كما صنعت غطاء الرأس من أوراق الجرائد على هيئة مركب مقلوبه والدروع من العلب الكرتون .. وكان عندى حصان خشبى كنت أمتطيه وأنا أستعمل هذه الأسلحة .. ولكن قمة المتعه كانت تأتى من الغطاء الخشبى لماكينة الخياطه السنجر لوالدتى والذى كنت أقلبه رأسا على عقب فيصبح على هيئة قارب وأحشر جسمى الصغير فيه وأستعمل يدى لدفعه من ناحية لأخرى فأترأجح كأنى فى قارب يصارع الأمواج .. كنت أيضا مغرم بعروسه المولد النبوى التى كان يستثيرنى شكلها وزينتها المفضضه وورق الكوريشه الملون والخلفيه المكونه من دوائر ملونه من الورق المزجج .. ومن المحتمل أننى تخيلتها قطر الندى أو ست الحسن فى الحواديت الشعبيه التى كنت أسمعها فى طفولتى من البنات الذين كانوا يفدون من البلد لمساعدة أمى فى أعمال المنزل .. وساهم فى تعلقى بها أن الحصان الحلاوة كان يفرض على لأننى ولد وعيب أن أشترى عروسه .. وبالرغم أننى أحببت الحصان بالعلم الأحمر ذو الهلال والنجمه الوحيده والذى كان من تراث الحكم العثمانى إلا أننى ظللت أحب العروسه أكثر.


ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة عالية الجودة منها



تؤثر لعب الأطفال فى تنمية المهارات اليدوية والعقلية للطفل وهو فى طور النمو ..كما تساهم فى تطوير رؤيته البصريه والوجدانية والإبداعية وتنمية خياله وعلاقاته مع الأشكال المرسومه والمجسده .. فهى تساعده على إكتشاف علاقته مع العالم من حوله وتنمى قدرته على تقمص الأدوار وإتباع القواعد والتعبير عن العواطف كما تساعده على تنمية خياله والخروج به خارج الواقع المحسوس مما ينمى مهارته فى التفكير خارج الصندوق .. كما تضع الألعاب الطفل فى إحتكاك مباشر مع جماليات الفن والتصميم وكذلك مع التكنولوجيا .. يإيجاز فإن ألعاب الأطفال من العوامل التى تمهد الطفل لكى يصبح عنصرا فاعلا فى المستقبل.


يرتبط المرء عاطفيا بلعب الأطفال التى خبرها فى طفولته وتمثل هذه النوستاجيا الرغبة فى أمان وصفاء فترة الطفولة ولهذا فقد لعب العديد من الفنانين التشكيلين على هذا الوتر فى بحثهم عن مصادر وعناصر لفنهم .. وهى تظهر عندهم بأشكال متعددة من الإستعارة المباشرة إلى الإيحاء المتداخل فى نسيج لغتهم البصرية .. والنماذج كثيرة ومتعددة من عرائس بول كلى والحصان الخشبى لبابلو بيكاسو إلى معلقات أليكساندر كالدر وتماثيل روبرت برادفورد.


من أكثر الفنانين المعاصرين الذين عزفوا هذا اللحن بمهارة هو الأمريكى جيف كوونز المولود عام 1955 .. وجيف كوونز من الفنانين المثيرين للجدل والذى إنقسم نقاد الفن فى تصنيف أعماله من هؤلاء الذين يروها رائدة فى المعاصرة ومعبرة عن روح المجتمع الإستهلاكى إلى الذين يروها مبتذلة وسوقية .. وكوونز من الفنانيين الذين وعوا القدرة الجبارة التى يملكها عنصر التسويق فى صناعة الفنان الأيقونة .. كما أنه وعى أيضا كيفية صناعة المنتج الفنى الذى يكمل هذا التوجه ويغازل بصر المشاهدين .. فهو لا يصنع أعماله بنفسه وإنما يأتى بفكرة العمل ويترك لمجموعة من الحرفيين المهرة مهمة تنفيذه بالمواصفات التى يحددها ويشرف فقط على التنفيذ ..
 ولكى يستثمر الشهرة التى حصلت عليها أعماله فقد أنشأ مشغلا كبيرا يضم مجموعة من الفنانين والحرفيين المهرة لتصنيعها.


من أهم أعمال كوونز ذلك المجسم الضخم الذى يمثل شكل كلب مصنوع من البالونات على غرار هذه الألعاب التى يصنعها بائعى البالونات بمهارة من بالوناتهم لتسويق بضاعتهم .. وهذا المجسم الضخم الذى يتجاوز إرتفاعه الثلاثة أمتار مصنوع من شرائح الصلب الغير قابل للصدأ ومصقول كالمرآة .. وأنتج كوونز من هذا النموذج عدة نسخ كل نسخة ملونه بلون مميز.


قال كوونز أنه صنع هذا العمل ليمثل شعور الفرحة والبهجة وهو من ضمن سلسلة أعمال " الإحتفالية " والتى نفذها عام 1993 .. وقد أصبح هذا العمل من أيقونات الفن المعاصر وأغلى عمل يباع لفنان على قيد الحياة.


فى حوار عن فلسفته فى الفن قال " إننى أعتقد أن الفن يأخذك خارج حدود ذاتك .. الرحلة التى قطعتها كانت للخلاص من القلق .. هذا هو المفتاح للوصول إلى أداء متحرر .. إن الحوار يبدأ بالفنان ثم يمتد إلى الخارج ليشارك فيه آخرون .. وعندما تزيل القلق يصبح التكامل أعظم ويصبح الكل متاح .. وبقدر قليل من الثقة سيدخل آخرون معك " .


بقلم الفنان / سمير فؤاد
الفنان / سمير فؤاد
الفنان / سمير فؤاد



هل اعجبك الموضوع :

تعليقات