القائمة الرئيسية

الصفحات



سنة ٧١.. طلب مني خالي اروح ازوره في الاسكندرية…
خالي ده.. كان طبيب جراح.. و كان جدي بعته يدرس في انجلترا..
يعني كان "جراح بريطاني" زي اللي كانت بتقول عليه "سعاد حسني" في غنوة "يا واد يا تقيل"..
و كان "عنده برود اعصاب .. اسم الله" فعلا..

كيف تصفع فنان على وجهه


و لذلك.. ما كانش له علاقة مترابطة مع الاسرة.. و فضل انه يعيش بعيد عن القاهرة.. و بيفضل الاسكندرية.. عشان مدينة جميلة ..و راقية.. زي مدن اوروبا.. و بتفكره بايام دراسته في "ايدنبره" في سكوتلاندا..

و يمكن كان سبب برود اعصابه .. انه شاف بلاوي كتيرة.. ايام الحرب العالمية التانية..
كانت الحرب فاجئته .. و هو بيتخرج من كلية الطب في انجلترا.. و اتزنق هناك.. طول مدة الحرب.. فاتطوع في الجيش الانجليزي كجراح.. و حضر معارك مرعبة.. و قصف لندن علي يد الطيران الالماني.. و معركة "دانكيرك".. و بقي جراح ميدان.. يعني مارس الطب في اسوأ ظروف ممكنة..

و بعدين جه مع كتايب "مونتجومري" عشان يخدم جيوش الحلفاء في معركة العلمين.. علي ساحل مصر الشمالي..
و حصل علي وسام الشجاعة في المعركة الوحيدة اللي دارت علي ارض مصر..
المهم.. خالي ده.. بالرغم من كل اللي شافه .. كان صاحب مزاج.. و غاوي فن.. و غاوي يجمع انتيكات..
و طبعا كان معاه فلوس.. انما.. الفلوس اللي بجد.. جت له لما اتجوز طبيبة زميلة.. ارملة..كانت دكتورة تحاليل.. و عندها معمل تحاليل كبير في محطة الرمل..!

لانها كانت ورثت من جوزها الاول ثروة كبيرة.. و هي كمان كانت بيدخل لها فلوس كتير من المعمل..
و كانت مرات خالي عندها بنت (من سني) من زواجها السابق.. عايشة معاهم طبعا.. و بيعاملها خالي زي بنته…
قُصْره.. اخدوا فيلا كبيرة من خواجة طلياني .. في ميدان وابور المية في الاسكندرية.. حته راقية جدا.. و لان الخواجه كان باعها بفرشها.. فقدر خالي يركز علي التحف .. و التفاصيل.. اللي خلت بيته متحف بمعني الكلمة..!

و بعد فتره.. طلع خالي علي معاش مبكر.. و امضي باقي حياته يستمتع بثروته.. (و ثروة مراته..!) و بقي غاوي عزايم و حفلات.. بيحضرها كل رواد الطبقات العليا في الاسكندرية.. و حتي القاهرة..!
و كان في مرة عنده مناسبة.. غالبا خطوبة بنته بالتبني.. و الا حاجة كده..
و هنا طلب مني خالي اني آجي امضي كام اسبوع عنده في الفيلا.. عشان ـ زي ما قال ـ عنده مشروع عاوز مساعدتي فيه..!
ما كانتش اول مره بازوره.. طبعا.. انما كانت اول مرة اعيش في مكان زي ده..
و بعد ما وصلت بيوم .. شرح لي خالي المشروع بتاعه..

الفيلا كان ليها بدروم واسع.. مستعمل في تخزين كل العفش القديم بتاعه.. و فاتح بأبواب مفصلية .. علي الجنينة الكبيرة خلف البيت..
فكان عاوز يفضي البدروم ده.. و يعمل له ديكور خاص .. عشان لما يتفتح علي الجنينة.. يبقي مساحة كافية لعدد ميتين ضيف من ضيوفه في الحفلة دي..
ايامها كنت طالب في كلية الفنون .. سنة اولي ديكور داخلي..
صحيح اني كنت باشتغل ايام الدراسة.. و من ايام ثانوي.. كمصمم دعاية.. و حاجات تانية صغيرة.. انما في الاجازة دي كنت فاضي..
و طبعا.. كانت فرصة اني اجرب شغل مختلف .. فوافقت !
و عملت له تصميمات لجدارية.. ممكن تتنفذ زي القزاز المعشق.. بس تتعمل بخشب ابلاكاچ سميك.. يتفرغ بمنشار آركيت.. و يتلزق وراه قماش خفيف.. يتلون باليد بالوان صبغات.. و بعدين يتقوي بالبوليستر..
و في الآخر.. يتركب وراه اضاءة.. و يبقي مضيئ..!
فكرة مطرقعة شوية.. انما اشتغلت..!

و كان التصميم اللي وافق عليه خالي .. عبارة عن مجموعة عرايس بحر (حيث اننا في الاسكندرية.. يعني ) بيلعبوا آلات موسيقية كلاسيكية متنوعة.. كمنجات و هارب.. و نحاسيات.. و ما اليه..!
و في النص.. واقف "بوسايدون" اله البحر اليوناني.. بحربته الثلاثية.. مشرف علي الاوركسترا..!
فكرة ساذجة.. انما كان سني عشرين سنة.. و ده متوقع..!
و لكن كنت واخدها جد.. و اشتغلت زي الحمار.. لمدة خمس اسابيع..
و طلعت شكلها مش بطال.. و بقي البدروم عامل زي ملهي ليلي علي البحر.. و كان ده هو المطلوب!
كان خالي شغال معايا.. و بيعمل كل اللي باطلبه من مساعدات.. انما لما شاف النتيجة النهائية.. فرح بيها جدا..
و قرر اني استاهل الخمسين جنيه اللي قرر يديهالي..
طبعا ده مبلغ مش قليل في بداية السبعينات.. و كنت ناوي اشتري بجزء منه مجموعة فرش عشان العام الجديد في الكلية.. و بالباقي شوية هدوم…

لغاية ما نزلت مرات خالي تتفرج علي الشغل اللي كان بقي لنا اكتر من شهر بندقدق فيه..
و وقفت قدام عرايس البحر بتوعي.. و قررت تقول رأيها الفني..
"ما تحطوا شوية ترتر علي العرايس دي.. حاجة فرايحي كده…!"
فرديت فوراً : "ترتر ..؟ علي شغلي..؟ ايه الذوق الهابط ده..!!!"
و ما ادري الا و نزل علي وشي قلم.. من خالي..!
فاتمالكت اعصابي.. و روحت بمنتهي الهدوء واخد حتة قماش.. بليتها مزيل للدهان.. و روحت مسحت امضتي من علي الركن البعيد في الشغل.. و اتدورت لهم و قولت : "بعد ما امشي.. تبقوا تحطوا كل الترتر و الحاجات الفرايحي اللي انتو عاوزينها..! عن اذنكم !"
و طلعت لميت هدومي .. و سافرت مصر علي القطر التالي..!
عرفت فيما بعد ان مرات خالي لم تجرؤ انها تنفذ رأيها..
انما كانت اول مرة اتخانق مع زبون علي المستوي الفني للشغل..
بس .. مش آخر مرة !!!

بقلم الراحل / الفنان هانى المصرى
الفنان هانى المصرى
الفنان هانى المصرى

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات