القائمة الرئيسية

الصفحات



رسم حسن سليمان لوحته الرائعة " العمل فى الحقل " عام 1962.. وهى من أجمل ما أنتج فى حياته الفنية الثرية وأصبحت من أيقونات الفن المصرى المعاصر. 

لوحة العمل فى الحقل للفنان حسن سليمان
لوحة  ( العمل فى الحقل ) للفنان حسن سليمان

اللوحة تمثل ثوران يجران نورج.. وهى الوسيلة التى كانت تستخدم لدرس القمح.. أى عملية فصل الحبوب عن السنابل..يوجد شخص يجلس على النورج وآخر فى العمق يقف بأداه يجرف القمح الذى تم درسه ويضعه على هيئة كومة هرمية فى المنتصف..أكوام القمح تكون تلال هرمية تحصر فى المنتصف شكل بيضاوى يمثل القمح الذى يتم درسه وهو يمثل مجال الحركة للنورج الذى يتبع هذا المسار فى حركة مستمرة عود على بدء. 


المنظور فى هذه اللوحة علوى وكأنما الرائى يطل على المشهد من أعلى.. ويوجد خط يقسم اللوحة عرضيا فى خمس اللوحة العلوى.. يوحى هذا الخط بالأفق ولكنه فى غير مكانه الصحيح فطبقا للرؤيه العلويه يجب أن يكون خط الأفق مرتفع عن هذا الموضع .. المساحه المستطيله التى يحدها هذا الخط توحى بالسماء ووضع الفنان ثقبا اسود يوحى بالشمس وما هى بشمس ..فظلال الشخوص تؤكد أن الشمس عالية فى كبد السماء ولا يمكن أن تكون مائلة عند خط الأفق. 


لا توجد خطوط فى اللوحه تؤدى إلى نقطة تلاش فخطوط أكوام القمح تدور وترتفع وتنخفض موحية بحركة دائريه تلتف حول كومة القمح القابعه فى منتصف اللوحه...وقد خلق الفنان فى هذه اللوحة فراغ ذاتى قائم بذاته منفتح خلف إطار اللوحه. 


علاقة الأجسام بالفراغ تخلقها كثافة كتلتا الثورين والنورج بالدرجه الأولى مقابل فضاء الأرض الأقل كثافه..ويتعادل مع هذه الكتلة الضخمة للنورج الشخص المغروز فى تبن القمح ويكونان معا مثلثا يحصر فى منتصفه المركز البصرى للوحة ..كما خلق الفنان إنحرافا فى علاقة كتلتى الثورين ببعضهما بالمبالغة فى طول الثور الأيسر لتأكيد حالة الحركة الدائرية حول منتصف اللوحة. 


لوحة  ( العمل فى الحقل ) للفنان حسن سليمان
لوحة  ( العمل فى الحقل ) للفنان حسن سليمان

كعادة حسن سليمان المفتون بالكتلة والحجم والثقل فقد حرق ألوان ظلاله لتصل إلى الأسود المصمت ولتضاد بشدة مع لون القمح الناصع كما خلق عمقا لونيا عن طريق التدرج من سخونة وكثافة اللون البنى المحروق فى الثورين والنورج مرورا بالأصفر الأوكر للأرض فى مقدمة اللوحة وإنتهاءا بالأزرق الرمادى فى مؤخرة اللوحة. 


هذا التأكيد على الكتلة والحجم والثقل جعل النورج والثورين يتجمدان فى مكانهما بفعل الجاذبية وكأنما يكافحان للحركة ضد قوة منيعة أوتوقفا لإلتقاط الأنفاس.. ولكن فى المقابل فإن جميع خطوط أكوام القمح تلف وتدور بلا توقف لتخلق حالة من الحركة المستمرة.. ولتصبح الحركة هنا معكوسة مثل الطفل الذى يمتطى الحصان على الساقية الدوّاره فى الملاهى وتبدو له المرئيات وكأنها تدور حوله وهو ثابت فى مكانه..إضافة إلى هذا يبدو الشخص ذو المذراه مائلا قليلا إلى اليسار متشبثا بمذراته وكأنما المسكين يحاول ألا ينجرف مع الحركة الدائرية. 


مثل كل فن عظيم يخرج موضوع اللوحة خارج نطاقه المباشر ليصبح أعم وأوسع وأشمل..إننا هنا لسنا بصدد أشخاص يؤدون عمل فى الحقل وكفى وإنما نواجه الإنسان وهو فى رحلة كفاحة فى الحياة..مربوط بالأرض التى جاء منها وإليها يعود.. تحرقه أشعة الشمس التى بهرته وحيره سرها فعبدها محاولا إسترضائها ..يدور ويلف يوما بعد يوم وعاما بعد عام فى حركة أبدية عبر تاريخه..يبنى أهرامات هنا وهناك يعتقد أنه يتحدى بها الزمن وأنها سوف تعطيه الخلود..وفوقه ترتفع السماء الواسعة مفتوحة بدون حدود..هى الأمل وهى المصير..ولكن يخرق إمتدادها ذلك الثقب الأسود الذى يرده على عقبيه..إنه الحاضر أبدا فى كل شهقة وكل زفرة..إنه المجهول. 


بقلم / الفنان سمير فؤاد
سبتمبر 2012

الفنان سمير فؤاد
الفنان سمير فؤاد 


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات