القائمة الرئيسية

الصفحات

صدمة العمل الفنى ما بين محمود سعيد و سارة أيمن

 


أغلب التعليقات الرافضة للعمل في المنشور السابق ( حيث ان المقال من حساب الكاتب على الفيس بوك ) مَبعثها هذه المقارنة بين نوعين من الممارسة الفنية، فالعمل الفني في نظر طائفة لا بأس بها من الفنانين وغير الفنانين هو لغة تعبيرية وجمالية في المقام الأول، ويُقاس بما ينطوي عليه من جُهد وسهر وإتقان. وثمة قناعة لدى الكثيرين بأن الممارسات الأخرى خارج هذا الإطار ما هي إلا نوع من الاستسهال والتحايل على ضعف الموهبة، ولا يصح أن نُصنفها فناً، كما أنها بعيدة كل البُعد عن ذائقة الناس، أو أنها ممارسات غربية لا تصلح لمجتمعاتنا محدودة الثقافة. 


موديل عارى للفنان محمود سعيد
موديل عارى للفنان محمود سعيد


هذا هو مُلخص لعدد من الآراء والتعليقات التي قوبلت بها صورة العمل المُشار إليه في المنشور السابق. يبدو هنا تمسك البعض بتعريفهم الثابت والمُستقر للفن، وبالتالي الامتناع عن التجاوب مع أي سلوك أو رأي مُخالف لهذا التعريف. 


أمامنا هنا لوحتين، أحدهما تمثل موديل عاري لمحمود سعيد والأخرى لعمل الفنانة سارة أيمن. عمل محمود سعيد يحمل قيمة تعبيرية وفنية راقية، قياساً بالرؤية الكلاسيكية للعمل التصويري، وللفن على نحو عام كممارسة جمالية وتعبيرية في المقام الأول، حيث الإتقان والجمال صفتان ضروريتان لأي عمل فني. في إطار هذا المفهوم لا يصح أن يعبر الفنان عن الفكرة في شكل قبيح ومنفر، فالجمال مرادف للفن بالضرورة. أما العمل الآخر فلا ينطوي على أي إبداع بصري أو حلول جمالية للشكل، حتى أن البعض تبرع باقتراح حلول بصرية للعمل تلافياً لهذا العيب الخطير. من هذا المنطلق كان الهجوم على عمل الفنانة سارة أيمن، في حين يتم تقبل عمل محمود سعيد باعتباره نموذجاً يُحتذى به. وعلى الرغم من ملامسة العملين للتابو الأخلاقي نفسه، إلا أن النظرة إليهما والحكم على طبيعتهما يختلف باختلاف التوجه الذي يمثله كل منهما.


العمل الفنى المثير للجدل للفنانة سارة ايمن


عمل محمود سعيد يتسق بلا شك مع مفهوم الفن وجمالياته الكلاسيكية، من تناسق ألوان وتوازن بين المساحات، وتوظيف للظل والنور، وغيرها من التفاصيل الأخرى، والأهم من كل ذلك هو الإتقان البالغ في تجسيد الشكل. وقد يتبارى البعض في قراءتهم للعمل إلى حد الوصول به إلى درجات الكمال، من تجسيده البارع للجمال الأنثوي، إلى تعبيره عن الحركة، ولون البشرة ومغزاها، وغيرها من الجوانب والدلالات التي يمكن أن يحتويها العمل بين تفاصيله وبنائه الفني. 


ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة منها


فهل تُخفي لوحة محمود سعيد بين تفاصيلها البديعة تلك أشياءً أخرى بعيداً عن هذا السياق الجمالي؟ 

إقترب وتأمل.. ففي اللوحة ثمة طبقة منسحقة ومغلوبة على أمرها، وسيداً أرستقراطياً ينتقي من بين نسائها ما يُناسب ذوقه، أو حتى نزواته وشطحاته. أكاد أسمع الحوار الذي دار بين الفنان وهذه المرأة التعسة قبل الشروع في الرسم: التفاوض على الأُجرة، وعدد الجلسات، والساعات التي ستقضيها السيدة أمامه في كل مرة حتى ينتهي من اللوحة. إبن رئيس الوزراء ونسيب العائلة المالكة كان ينتقي موديلاته العارية من بين الخادمات وبائعات الهوى وفتيات الشوارع. توحيدة، وحياة، وحميدة، وهاجر، وغيرهن من الأسماء المجهولات التي لا نكاد نعرف عنهن شيئاً هن ملهماته الحقيقيات. 


الفنان محمود سعيد
الفنان محمود سعيد


مقارنة سريعة بين لوحات محمود سعيد العارية، وأعماله الأخرى التي رسم فيها نساء من مُحيطه ودائرته الاجتماعية تكشف لنا أنه ابتعد عن إبراز أي مفاتن لنساء هذه الطبقة، في حين أنه استباح أجساد هؤلاء المجهولات اللاتي مثلن قوام تجربته الفنية. في أعمال محمود سعيد العارية يأتي التعبير الجمالي في المقام الأول، أما في عمل سارة أيمن فالفكرة هي الأهم، والشكل ما هو إلا ترجمة بصرية لها، فضح لأخلاقيات زائفة، وكشف لسلوكيات مجتمعية بالغة القسوة.


سارة ايمن
سارة ايمن


لا أنحاز هنا في الحقيقة لعمل الفنانة سارة أيمن تحديداً أو لطبيعة الممارسة الفنية التي تتبناها بقدر ما أنحاز للفن بشكل عام، وإلى أجواء تسمح ببعض البراح في الممارسة الفنية وتقبل الاختلاف، وإن كنت أرى- وهو رأي شخصي على كل  حال- أن عمل سارة أيمن أكثر صدقاً وقيمة.

ملحوظة 1 / لم ألتفت هنا إلى هذه الأحكام أو التعليقات التي تعاطت مع العمل من منظور أخلاقي، ما يدفعنا إلى متاهة من الجدل ويستدعي بالضرورة دفاعاً عاطفياً عن العمل.

ملحوظة2 / أكثر المُعترضين أخلاقياً على العمل هم من الرجال.


بقلم / ياسر سلطان

ياسر سلطان
 ياسر سلطان


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات