القائمة الرئيسية

الصفحات

الفن ليس إختيار ( قصة مُلهمة لا تفوّتها )

 



حواديت.. علي هامش المغامرة الامريكية..! ( ملحوظة : المقال منقول من حساب الفيس بوك الشخصى للفنان هانى المصرى )

ابتديت اشتغل.. بشكل نصف مهني يعني.. ايام ما كان عندي ١٤ سنة..

و كان ده علي اثر مناقشة حادة .. مع والدي !


صورة من احد استديوهات الفن التشكيلى


اهلي .. زي ما بعضكم عارف.. كانوا موظفين حكومة.. مدرسين لغة فرنسية.. يعني كانوا في اسفل الطبقة المتوسطة.. لانهم ما كانوش بيدوا دروس خصوصية.. عن اقتناع تام انه ده .. دليل علي عدم قيام المدرس بشغله في الفصل.. 

فكانت مرتباتهم هم الاتنين علي بعض.. ما تزيدش عن ٧٠ جنيه في الشهر.. 

و في الستينات.. ده كان كافي.. انما علي الحركرك…!

و كانت المناقشة في نوع اللبس اللي كان نفسي البسه..!

و في سن المراهقة.. كنت حاطت في دماغي ان اللبس .. و شكلي قصاد اصحابي .. و قصاد البنات.. اهم حاجة علي سطح الارض..و في التاريخ..!!! فطلبت من ابويا.. في مرة.. انه يشتري لي بنطلون چينز..!


و طبعا.. سمعت محاضرة طول بعرض .. عن ضحالة التفكير و السطحية.. تحولت بعد كده لنظرية اقتصادية عن قلة الامكانيات.. و كم هائل من الاسباب و الاعذار اللي تخليني اتنازل عن طلبي.. انتهت بفرمان سلطاني محتواه :

"طول ما انا باصرف عليك.. حا تلبس اللي نشتريهولك…!

لما تبقي تشتغل.. و تصرف علي نفسك ـ يا روح امك ـ تبقي تشتري اللي انت عاوزه.. و تلبس علي كيفك..!"

فطبعا.. اخدتها في كرامتي.. و بكل الطاقة المكبوتة بتاعة الشباب.. قعدت ادور علي شغل.. و اشتغلت فعلا كمصمم اعلانات صغيرة لشركة ادوية.. و شوية شوية.. فهمت حاجات عن الطباعة و انواعها.. و ابتديت اتعرف في وسط المجال ده.. و طبعا.. اشتريت بنطلون الچينز اللي كان نفسي فيه.. و اكتر.. 


ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة منها


انما علي ما بقيت في ثانوي .. و في الكلية.. كنت باشتغل بانتظام.. و سمح لي دخلي اني استقل تماما.. و ما بقيتش اعتمد علي اهلي الا في السكن و التواجد في البيت..!

في نفس الوقت.. كانت شلة اصحابي لسه كلهم بياخدوا مصروف من اهاليهم.. و في عز ما كان الغني فيهم بياخدله ١٥ او ٢٠ جنيه في الشهر.. كنت انا بيبقي في جيبي ٢٠٠ او ٣٠٠ جنيه..!

لدرجة انه ساعات.. لما كنا نبقي في آخر اسبوع في الشهر.. كانوا يبقوا مش قادرين يروحوا سينما .. عشان مفلسين..!

فكنت لما الاقي فيلم كويس في سينما مترو او راديو او قصر النيل.. اقول لهم ما يقلقوش.. و نروح نحضر الفيلم.. و بعده نروح نتعشي في البيتسيريا بتاعة "رشدي اباظة" اللي كانت في ممر سينما ريڤولي..(بيتسيريا كابري).. و اقوم انا بالصرف.. 

و ما كانتش فلوس كتير نسبيا.. كنا نبقي ٤ او ٥ اصحاب.. و الموضوع كله علي بعضه.. بما فيه التاكسي رايح جاي من مصر الجديدة.. ما يتعداش ١٥ جنيه…!


و في سنة ٨٨.. ايام ما كنت في بداية حياتي في امريكا.. و لسه عايش في "سكوتش بلينز" نيو چيرسي.. و كان ضاربني السلك.. و لسه باضوحَر .. كان واحد من شلتنا.. عادل.. عايش في بافالو في نيويورك.. علي الحدود مع كندا.. بعد ما اتخرج من كلية الطب في مصر.. و عمل المعادلة .. و بيشتغل كويس.. و عايش في وسع.. بيت كبير .. و حمام سباحة.. و عربيتين.. الخ..!


و في يوم في الصيف.. جالي منه تليفون.. و قال لي انه إستأجر شاليه علي الاطلنطي.. في مدينة ساحلية مش بعيد عننا.. و انه جاي يقضي اسبوعين مع ولاده.. و طلب مني آجي اقضي معاه عطلة آخر الاسبوع..!


و في يوم جمعة بعد الشغل.. اخدت مراتي و ابني في العربية الكحيانة بتاعتي.. و روحت ازورهم.. و قضينا الويك اند معاهم..

و نزلت يوم الاحد بعد الضهر مع عادل .. نتمشي.. و ندردش.. 

و كلمة في كلمة.. وصل الكلام للحالة المادية الكئيبة اللي كنت بامر بيها..!

فقال لي عادل.. بكل الحب و الصداقة.. و هو بيحاول ما يجرحش مشاعري :

"يا اخي.. انت طول عمرك بتعرف تعمل فلوس.. و انت اللي كنت في الشلة الوحيد اللي كنا بنعتمد عليه.. و عارفين انك ما يتخافش عليك.. و انت زكي.. و عندك لغات.. و متربي كويس.. فلو موضوع الفن ده.. يعني.. مش جايب تمنه.. و مش مخليك عايش كويس.. ما تحاول تعمل حاجة تانية.. و ما تاخدش الموضوع في كرامتك قوي كده…" 


و بالرغم من رقة عادل.. و معرفتي بصدق مشاعره.. جت في عيوني الدموع..

و كملت مشي جنبه.. و انا بافكر.. و باستعرض كلامه من ناحية.. و رحلة كفاحي من الناحية التانية…

و بعد شوية.. لما قدرت اتمالك نفسي رديت :

"انت فاكر.. يا عادل.. يو ما انت قررت تبقي دكتور..؟" فإبتسم و قال :

"طبعا.. فاكر كويس..!" فبصيت له و قولت :

"انا كمان فاكر.. يوم ما روحنا عندكم.. انا و شريف و رفيق.. و مامتك قالت لنا انك كنت في مكتب التنسيق.. و دخلتنا اوضتك عشان نستناك.. و وصلت انت بعدها بنص ساعة.. و اعلنت انك قبلت في طب عين شمس.. و انك قررت تبقي دكتور زي اخوك الكبير.. فاكر..؟" فرد فورا و احنا بنتمشي :

"فاكر طبعا.. و هو ده يوم يتنسي..؟" فإبتسمت له بالرغم من الدموع اللي كانت متحاشة ورا جفوني.. و رديت :

"طيب.. فاكر بقي.. يوم ما انا قررت ابقي فنان ..؟"

و علي عادته لما بيبقي بيدور في ذاكرته.. وقف عادل.. و اتسمرت رجليه في الارض.. و سابني اسبقه بكام خطوة .. فاتدورت و وقفت قدامه.. فبص لي و قال:

"لا.. مش فاكر.. انا طول عمري.. من ايام ما كنا عيال.. عارف انك فنان..!"

فسبت دموعي تسيل.. و ابتسمت له.. و رديت:

"لأني مش انا اللي قررت ابقي فنان يا عادل.. مش انا اللي نقيت الفن.. الفن هو اللي نقاني..! و دي حاجة مش بإيدي.. دي علاقة ما اقدرش انهيها..! لو اكلت الشّهد.. او اكلت مِشْ.. او ما اكلتش خالص.. ليكن ما يكون..! ده قدري..!"

… و عمري ما ندمت علي الكلام ده…!


بقلم الفنان / هانى المصرى


لو استمتعت بقراءة هذالمقال سوف تحب ان تقرأ مقالات اخرى لنفس الفنان مثل العيال كبرت و اكلت الكباب و كيف تصفع فنان على وجهه و حكاية تدهور الفن و الموديل العارى و معارك الفن الاولى و حدوته لونها غامق و فنان مصرى يبهر المخرج الامريكى ستيفن سبيلبرج و صديق بيل جيتس يستضيف فنان مصرى على يخته الخاص و بدايات حلم الفنان و فنان بيفكر بالمصرى فى فرنسا و فنان و ذواقه و دموع فى عيون فنان مصرى


الفنان / هانى المصرى


هل اعجبك الموضوع :

تعليقات