القائمة الرئيسية

الصفحات

 

 
بعد رحلة طويلة و شاقة إستغرقت ما يقارب السبع ساعات من مدينة القاهرة إلى مدينة مرسى مطروح الساحلية نزلت أنا و أخى من الحافلة رأساً متوجهين إلى تلك القرية الساحلية المجهولة و الشبه خاوية خصوصاً أننا كنا فى شهر أكتوبر و هو ليس بشهر يذهب فيه الناس الى المصايف و المدن الساحلية, كان أبى قد أشترى إحدى الشقق فى تلك القرية منذ سنوات و لكن الإعمار قد توقف لفترة طويلة فى القرية بسبب خلافات قانونية ما بين القائمين عليها و التى لا مجال لذكرها هنا, و لكن و منذ شهور بدأ الإعمار مرة ثانية و علمنا أن الشقق تم تجهيزها فيما يخص الأساسيات فقط مثل مرحلة الأسمنت و السباكة و حلوق الابواب, و لاحظت أن أبى فقد شغفه و إهتمامه بالشقة و لم يذهب حتى لمعاينتها, فالرحلة طويلة و مرهقة, و بدأ يخطر على تفكيرى هاجس فيما إن كان العمال قد أعادوا باب الشقة إلى مكانه أم لا, فهذا أمر خطير قد يُغرى أحدهم بالأستيلاء على الشقة إن لم يكن تم تركيب الباب مرة أخرى

 

 



بُحت بمخاوفى إلى أخى و الذى كان قد وصل إلى مصر منذ فترة قصيرة و قررنا السفر إلى القرية للتأكد بأنفسنا, و ما أن وصلنا حتى وجدت أن مخاوفى كانت فى محلها, فقد كانت الشقة بلا باب و لكن الحمد لله الضرر الوحيد الذى حدث هو أن الجيران الذين قاموا بتجهيز شققهم قد ألقوا بمخلفات التجهيز فى شقتنا بدلاً من أن يستأجروا عربة لتحميل مخلفاتهم و التخلص منها بعيداً عن القرية (ونعم الجيران) , و لاحقاً فهمت أن العمال لم يعيدوا الباب إلى مكانه لأنه بعد تركيب حلق الباب لم يعد الباب مناسب لمكانه فما كان منهم إلا أن ألقوا الباب بداخل إحدى غرف الشقة, حمدت الله أن ألامر لم يتعدى ذلك و أن أحداً لم يسرق الباب, و قررنا أنا و أخى أن نذهب إلى مدينة مرسى مطروح نفسها (حيث كانت القرية قبل المدينة ببضعة كيلو مترات) لنستأجر غرفة بأحد الفنادق و نستريح من تعب السفر و غداً ننطلق من الصباح للبحث عن نجار ليقوم بتركيب باب الشقة 




و بالفعل أستيقظنا فى اليوم التالى لنبدأ رحلة البحث عن نجار و هو الأمر الذى لم يكن سهلاً على الإطلاق خصوصاً أن مكان العمل خارج المدينة, فكلما ذهبنا إلى نجار إعتذر لنا لأنه مشغول فنسأله على نجار آخر و هكذا, حتى بدأ كل من نسأله يدُلنا على نجار ذهبنا إليه بالفعل و أعتذر, فالمدينة ليست كبيرة, و بعد كثير من التجوال فهمنا أنه كان يجب علينا الإتفاق مع نجار من اليوم السابق كما علمنا أنه ليس بالضرورة أن نذهب إلى ورشة نجارة فهنالك نجارين يجلسون على المقاهى فى إنتظار الزبائن, لذا يمكننا الذهاب إلى المقاهى و أن نسأل القائم على كل مقهى إن كان يعلم أحد النجارين من بين رواد المقهى ليدُلنا عليه, و قمنا بذلك لعدة مرات بلا فائدة حتى دخل أخى إلى أحد المقاهى و أنتظرته أنا بالخارج فغاب أكثر من المُعتاد, ثم خرج أخيراً ليُخبرنى أنه لم يجد نجار و لكن القائم على القهى أعطاه رقم هاتف أحد النجارين و لكنه خارج مدينة مرسى مطروح حيث يبعد عنها أكثر من أثنين كيلو, هاتفناه و وافق على العمل و أتفقنا معه أن نذهب إليه لنلتقطه ثم نكمل الطريق حتى القرية, و لكن كنا قلقين من إحتمال أنه و بعد مغادرتنا قلب مدينة مرسى مطروح و الذهاب إلى تلك الضاحية البعيدة عنها يحدث ما يمنع هذا النجار من القيام بالعمل و هو أمر ليس ببعيد, فالعامل قد يأتيه ما يُشغله فيقرر أن يأخذ عمل مضمون أتاه بالفعل و يلغى عمل آخر أصحابه ما زالوا مجهولين, كما أنه يمكن أن يقوم بإستغلال الموقف و يطلب سعر أكبر من المفروض, و إحتمالية إيجاد نجار آخر فى هذا المكان النائى هى أقل حتى من إحتمالية إيجاده فى قلب مدينة مرسى مطروح و التى بالفعل لم نجد بها أحداً يُسعفنا رغم أنها بطبيعة الحال أكثر إكتظاظاً

 


 توكلنا على الله و ركبنا حتى ذلك المكان (فما باليد حيلة) و ما أن وصلنا حتى بدأنا فى الإتصال بهذا النجار, و حدث بالفعل ما كنت أخشاه حيث لم يكن يرد على هاتفه, بعد الشعور بالإحباط و القلق بدأنا فى البحث عن نجار آخر فى تلك الضاحية الصغيرة و التى تبدو أصلا خاوية, سألنا أحد محال تصليح السيارات عن محل قريب لنجار فوصف لنا أحد ورش النجارة, ذهبنا إليه لنجد المكان مفتوح و لكنه خاوياً لا أحد فيه, فقط المذياع يصدح بصوت القرآن الكريم, و لكن كان هناك رجل يجلس أمام محل آخر قريباً منه ينظر إلينا, فذهبنا إليه نسأله عن صاحب المحل فأخبرنا أنه لا يعلم تحديداً و لكنه لفت إنتباهنا إلى أن صاحب المحل قام بكتابة أرقام هواتفه على واجهة المحل بالأعلى, شكرناه و قمنا بالإتصال بصاحب المحل فأخبرنا أنه يعمل الآن خارج المحل و لن يستطيع العمل معنا, و لكنه  وفى محاولة منه ليساعدنا أخبرنا أن نسأل عن نجار إسمه عم حسن يجلس على أحد المقاهى, و قام بوصف مكان المقهى لنا والذى لا يبعد كثيرا عن محله هو, ذهبنا إلى المقهى و كان بداخلى إعتقاد بناء على ما سبق أننا لن نجده و أننا سوف نقوم بالمزيد من التجوال و السؤال, فيبدو أن هذا هو يومنا الموعود, وصلنا إلى المقهى و كان به عدد لا يتجاوز سبعة أشخاص, قمنا بإلقاء التحية عليهم و بعد ان ردّوا علينا التحية سألناهم عن عم حسن النجار فقام أحد الجالسين بوضع يده على كتف رجل آخر يجلس بجانبه كان كبيراً فى السن ضئيل الجسد ذو لحية بيضاء و بشوش الوجه يدخن الأرجيلة قائلاً هذا هو عم حسن, حقيقة تنفسنا الصعداء حينها و بدأنا نتكلم معه لنخبره عن تفاصيل العمل و باب الشقة الذى نرغب فى تركيبه, وافق الرجل على العمل و ذهبنا معه أولاً إلى كوخ بسيط جداً يسكن فيه حتى يأتى بأدوات النجارة الخاصة به كما طلب منا شراء بعض المستلزمات الأخرى الخاصة بتركيب الباب ثم إنطلق ثلاثتُنا إلى القرية, كان رجل مُسلياً و مرحاً و يعرف كيف يقوم بعمله جيداً, كما أن السنين أكسبته خبرة فى الحياة تبدو عليه بوضوح حتى أنى أخبرت أخى أن هذا الرجل يمكن أن يجسد شخصية البطل فى الرواية المشهورة (العجوز و البحر) للكاتب الأمريكى البارز إرنست هيمنجواى فضحك أخى على هذة الملاحظة, طبعاً لا يفوتنى أن أخبركم أن أخى لاحقاً فى ذلك اليوم عندما فتح الفيس بوك على هاتفه المحمول وجد منشوراً عن قصة العجوز و البحر مع العلم أن أخى غير مهتم بقراءة الروايات, يا الله.. أكاد أجزم أنه يتم التنصت علينا من خلال هواتفنا



أما سبب كتابتى لكل هذة القصة يا صديقى الفنان هى أن أذكّرك و أذكّر نفسى كيف أن الله يسوق لك رزقك أينما كنت, فبعد أن أتممنا هذا العمل جلست أنا و أخى نسترجع كل ما حدث و نتأمله, و كيف أن الله ساقنا من القاهرة إلى مرسى مطروح و بعد كثير من البحث و العناء و إحتمالات كثيرة أن يقوم بهذا العمل أناس آخرون إلا أنه و فى النهاية وصل العمل إلى صاحبه الذى قدره الله أن يصل إليه حتى يأخذ رزقه الذى قسمه الله له و ليس لسواه ممن حاولنا أن نستأجرهم, فأنا أعرف أن الفنان غالباً ما يعمل بشكل حر خارج إطار الوظيفة ذات الراتب الشهرى الثابت مما يثير لديه القلق حول مسألة المال, و بالطبع ما يعزز ذلك القلق هو كلام المحيطين به من أفراد الأسرة و الأصدقاء الذين يعكسون قلقهم عليه و الذى يكون فى أغلب الأحيان بسبب حبهم له و حرصاً منهم على مصلحته, و لكن صدقنى إطمئن, فـ أنا قصصت عليك تلك القصة التى عايشتها بنفسى حتى أُشهدك كيف أن الله سوف يسوق لك رزقك أينما كنت فلا داعى للقلق و لنكن واثقين فى الله, فقط قم بالسعى و إجتهد فى عملك و تذكر أنك إن كنت سلكت طريق الفن بالفعل فهذا هو مصيرك الذى كتبه الله لك      

 

و الأن عزيزى القارىء بعد أن وصلت  لنهاية المقال هل يمكنك أن تدعمنى بفعل بسيط للغاية و لكنه يساعدنى على الإستمرار فى تقديم هذا المحتوى لك ألا و هو أن تضغط على أحد الإعلانات الموجودة أمامك فى الموقع 


بقلم الفنان/ مروان جمال

الفنان/ مروان جمال
الفنان/ مروان جمال





أنت الان في اول موضوع
هل اعجبك الموضوع :

تعليقات