القائمة الرئيسية

الصفحات

سنوات كلية الفنون الجميلة جـ 5

 

الجزء الخامس : سبتمبر 1974 / مايو 1975

ملحوظة : يمكنك قراءة الجزء الاول من هنا


غيرت هذه السنة الدراسية دفة اشياء كثيرة فى حياتى وحياتى نفسها ، لم اعد انا من كنت اعرفه ، حدث تغيير فى رؤيتى لأشياء كثيرة جدا ، ومررت بتجارب جديدة تماما فى حياتى ، وكونت صداقات ومعارف ودنيا وبداية طريق للحياة وللثقافة والفن بشكل لم يكن فى تصورى ولم اتخيله ابدا ، كنت محظوظا فى توقيت دخولى للكلية والدفعة بما فيها من اصدقاء اعتز بهم ونتواصل الى اليوم ، واساتذة القلة منهم كانوا مؤثرين بشكل ايجابى رائع فى تكوينى ، والقليلين كانوا منفرين جدا لأقصى درجة ، تخيل نفسك طالب فنون تحصل على امتياز فى كل تقديراتك (ماعدا اختبار تاريخ الفن الكوميدى ، والذى اصبح امتياز فى امتحان آخر العام) ، وانت فى اعدادى يدرس لك اكثر من معيد واستاذ فى نفس المادة ، وتجد احدهم او اكثر يفهموك ويحتووك وتلقى التشجيع دائما فى ان تلجأ اليهم للمشورة والرأى ، وآخر فى نفس المادة شخصية منفرة سخيفة متعالية ، بمجرد ان تراه تشعر انك لاتريد ان تسلم عليه حتى ، وتحصل فى مادته على امتياز ، وبالمناسبة هى ليست قاعدة عامة ، ممكن هذا الذى اتحدث عن انه منفر هو بالنسبة لزميل لى فى نفس الدفعة رجل لطيف ، هى كيمياء.


سنوات كلية الفنون الجميلة جـ 5



كان عميد الكلية وقتها الدكتور عبدالله جوهر رحمه الله ، ومن وجهة نظرى ربما يرى آخرون عكس رؤيتى ، كان عميدا حقيقيا لكلية الفنون الجميلة التى من المفروض أن تعلم اول ماتعلم الحرية والرأى وان تكون ذاتك. بعد اجازة نصف العام على ما اتذكر عدنا الى الكلية ، وعندما دخلت للكلية احسست ان هناك شئ غريب زحمة فى الطرقات والبرجولا ، ويافطات وشباب منظم بشكل ما يلفت النظر ، ذهبت الى مبنى ديكور لأصعد وجدت شباب يقفون على الباب ومنعونى من الدخول ، تعجبت وسألت ، فقالوا لى اضراب عن التدريس بقرار من اتحاد الطلاب ، لم استوعب وحاولت ادخل اى مبنى لأجد نفس الشئ فى مداخل كل المبانى ، ديكور وعمارة ومبنى عبود باشا وكان حينها قسم التصوير ، التقيت زملائى وحاولنا ان نفهم من الذين هم اكبر منا وشباب الإتحاد ، ففهمنا ان اتحاد الطلاب كشف سرقات واختلاسات للخامات التعليمية التى كانت تصرفها الدولة للطلبة مجانا ، (كان الطلبة يتسلمون حسب التخصص رولات ورق ابيض كانسون او افرخ و رولات ورق كلك ويتسلموا اطقم الوان زيتية ماركة تالنز مثلا و فرش وتوال وغيرها من الخامات مجانا) ، فهم اكتشفوا مثلا ان من حق الطالب 2 رول ورق ، ولكنه يحصل على واحد فقط ، كمثال ، المهم تعجبت من قوة اتحاد الطلاب الذى يمنع التدريس فى كلية الفنون بقرار منه ويطالب بالتحقيق وتستجيب الكلية .


 وكان هناك مشهد لا انساه ابدا ، ربما يراه غيرى ضعف ، ولكنى اراه قوة من معلم تربوى كبير ، استمر الإضراب عدة ايام وفى احداها كان هناك مناظرة بين العميد الدكتور عبدالله جوهر ورئيس اتحاد الطلاب اذكر فقط من اسمه الحسينى وكان من قسم عمارة ، يقف العميد على سلم مبنى العميد ، ويقف الحسينى وزملائه فى شرفة مبنى عبود من ناحية مبنى العميد ، ويدور بينهم سجال بدون اى تجاوز ، ويطلب العميد من اتحاد الطلاب فتح الأتيليهات للطلبة أثناء التحقيقات ، فيرفض الحسينى ويقول لن ينتهى الإضراب الا بعد ظهور نتيجة التحقيق ، ويستجيب العميد لطلبات الإتحاد ، كان يستطيع اللجوء الى الأمن والشرطة ، خاصة اننا كنا فى ايام انتهت فيها الحرب ، ويمكن اعتبار هذا الحدث تمرد ، وكان فى هذا الوقت ايضا كثيرون من طلبة اليسار والناصريين معتقلون لأسباب سياسية ، وكان سهل ان ينتهى الأمر بهذا الشكل ، لكنه وافق ان تستمر التجربة الديمقراطية الحقيقية فى طريقها للنهاية ، وبالفعل بعدها ربما بيومين ينتهى الإضراب وتظهر نتيجة التحقيقات.


ملحوظة : يمكنك ان تشاهد اعمالى الفنية من هنا سواء للمشاهدة فقط او للاقتناء, كما يمكنك التواصل معى عبر صفحة اتصل بنا او مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة فى حال رغبت فى اقتناء احد الاعمال الفنية او نسخة عالية الجودة منها


كانت البرجولا والكلية تشهد مظاهر للحرية مثل حرية الملبس والشعر وغيره ، كنا فى قمة موضة الهيبز والملابس الغريبة والشعر الطويل ، والبنات كانوا فى قمة موضة المينى جيب والميكروجيب (ذكر هذا لايعنى موافقة على هذا الملبس او لا ، هو فقط مشهد لهذا الزمن) ، ولاتجد تحرش ولاقلة ادب ، كنت مثلا تجد الطالب ناجى الخواجة بشعره الكنيش الطويل ووجهه المميز ونظارته مثلا يجلس فى البرجولا بجيتاره الأسبانى يعزف ويغنى اغانى هذا الزمن ومع بعض الطلبة يرددون خلفه ، وتشهد نشاط كبير لفرقة اتيليه المسرح بمن فيها ، وربما تجد الطالب على الحجار الذى كان لايزال غير مشهور يجلس فى مكان ما يغنى ايضا ، وغيرهم طبعا فى اشياء كثيرة ، وكان يسمح للطلبة الشباب فقط فى مشروع التخرج بالمبيت فى داخل الكلية (بشكل غير رسمى) ، فتجد بعض الطلبة لديهم سايد كار موجوده فى داخل الكلية ، وكنا نذهب فى المساء (بعد ان انتهى العام الدراسى لنا) ونقفز من على السور الحديدى الى شبابيك قصر عبود حيث كان هذا هو المدخل والمخرج بعد المواعيد الرسمية واغلاق ابواب الكلية ، لنشاهد حفلات السمر التى كانو يقيمونها فى الساحة التى بين مبنى عمارة ومبنى ديكور ولم يكن فيها اى شئ, كانت متسعة فكان الطلبة يستمتعوا بآخر ايامهم فى داخل جدران كلية الفنون الجميلة بعمل المشروع والبهجة والإحتفال والإستمتاع 


 وكان على ابواب الكلية موظفين من الكلية وليسوا رجال أمن ، وكان للكلية مدخل رئيسى من ناحية شارع اسماعيل محمد ، الباب بجوار مكتبة الكلية حاليا ، وكان هذا هو الباب الرئيسى لقربه من الموصلات ، والباب الآخر الحديدى بشارع محمد ثاقب والمستعمل حاليا فقط ، واتذكر انه بمجرد ان انتهت عمادة الدكتور عبدالله جوهر واستلمها خلفة الدكتور صلاح نايل (تصحيح من الزميل الفنان عمر الفيومى تولى عمادة الكلية بعد عبدالله جوهر الفنان عباس شهدى لمدة سنتين ولم يتغير الكثير فى نظام الكلية حينها الى ان تولى الدكتور صلاح نايل بعده ) ، كنا فى ثالثة اعتقد او اول رابعة ، اغلق باب اسماعيل محمد ، وجاء أمن على البوابة ، ولأكون منصفا لا اعرف هل هو قرار دولة ووزارة ام قراره الخاص ، وبدأنا لأول مره نرى من يسير فى البرجولا ويسأل الطالب لما تجلس هنا اطلع اتيليهك او ارحل ، وطبعا انتهت اغلب الأشياء الجميلة التى ذكرتها ، ولهذا من وجهة نظرى التى ربما يختلف معى فيها البعض وربما هم اعلم منى ، فأنا ارى ان آخر ايام كلية الفنون الجميلة كما كنا نتخيلها كانت مع عبدالله جوهر وبعد ذلك اصبحت مثل المدارس والجامعات الأخرى ، وجهة نظرى.


عام 1975 احتفل العالم بمرور 100 عام على ظهور المدرسة التأثيرية ، واحتفلت اليونيسكو ومصر فى متحف محمد محمود خليل والذى كان موجودا فى الزمالك مكان قصر الخزف حاليا ، فكانت احتفالية كبرى ، فأصبحت لوحات ديجا ورينوار ومونية وبيسارو وغيرهم التى كنا نراها فى سلسلة كتاب الهلال والمكتبات ، نرى لوحات لنفس الفنانين حقيقية امامنا ونتأملها ، ونرى اعمال للوتريك وواحدة من اعظم اعمال جوجان من وجهة نظرى ولوحات لكورو وميليه وتماثيل لرودان وكاربو ولوحة لآنجرية كل هذا وغيره الكثير رأيناه حقيقى فى اول عام دخلنا فيه كلية فنون ، لوحاتهم حقيقية ، ولأن المتحف قريب من الكلية كنا نذهب له كثير ، وعرفنا متحف الجزيرة لما يحويه من كنوز اخرى اوروبية من الفن ، واختتم العام بمعرض ضخم جدا لفنان نمساوى كبير هو هوندرد فاسر ، كان صدمة بصرية ممتعة ، وفتح آفاق لرؤيتنا للفن الحديث.


دخلت كلية الفنون الجميلة فى سبتمبر 1974 وانا احمل فى رأسى رسامى الأستريبس العظام امثال بارى وكتيبة رسامى مجلة تان تان ، وكنت احلم ان اخرج من الكلية وانا فى صفوفهم وانشر فى المجلات العالمية كما كنت اطمح ، خرجت فى اول اجازة صيفية لى فى يونيو 1975 ، وانا احمل فى رأسى رامبرانت وديلاكروا ومانية وديجا وموديليانى اول رسام غير كلاسيكى اقع فى هواه ، واحمل معهم من أجلت رأيى النهائى فيهم لحين رؤيتهم اكثر ووقعت فى هواهم بعد ذلك مثل ايجون شيلى و سوتين و مونش ، تغيير كبير فى عدة شهور فقط, وانتهت هذه السنة المدججة بالجديد فى حياتنا ، بتقدير امتياز ومن اوائل الدفعة التى كانت تعج بالمهرة.

وينتهى الفصل الأول

ملحوظة : يمكنك قراءة الجزء السادس من هنا

بقلم الفنان / احمد زيدان
الفنان / احمد زيدان
الفنان / احمد زيدان




هل اعجبك الموضوع :

تعليقات